مقالاتي في الصحف

التعاطف “الافتراضي” مع غزة، والمسلسلات!

 

التعاطف الافتراضي هو التعاطف عن بعد، وعبر وسائل التواصل وبالفُرجة المحمومة على الفضائيات بعقل أجوف وقلب متهيّج، بلا تفكر وبلا نتيجة.

لذا هو تعاطف مؤقت وزائل، ويأتي في إطار التوافق مع ذاك التعاطف الافتراضي مع حدث خيالي (شريط (فلم) أمريكي، هندي، مسلسل تركي…الخ).

التعاطف الافتراضي يظل افتراضيًا أجوفًا بلا قيمة حتى مع حدث حقيقي كالحال في مذبحة العصر والإبادة الجماعية التاريخية في غزة.

لا فرق بين خواء التعاطف الافتراضي مع الحدث المهول، وخواء التعاطف مع بطل مسلسل أوشريط سينمائي كما قلنا. إنه خيال في خواء في تنفيس بلا أي قيمه سوى المتعة الشخصية من جهة، أو الكذب على الذات أنني قدمت المطلوب مني بما يتعلق بالحدث الحقيقي، (وكفاني الله شر القتال) أو النضال أو القيام بأدنى مجهود.

إن التعاطف الافتراضي عن بعد، تعاطف أجوف، تعاطف كلامي، تعاطف متهيج متبدل، أنه تعاطف تنفيسي للذات لذا فهو مؤقت وزائل، وهو بقيمة صفرية إن لم يلحقه أو يعمّقه تعقل ببرنامج عمل سواء ذاتي أو جماعي مثابر ودائم وداعم.

التعاطف الحقيقي

التعاطف الحقيقي هو الموقف الكلامي الصلب والمتفهم بحق أشخاص وأحداث وكأنه منهم أوبينهم، وهو المرتبط بعمل دؤوب ودائم يؤثر ويشفي ويبلسم، مهما صغُر.

إنه موقف يستند لعقل ووعي وفهم لا يقف عند حد (الثرثرة) أو(جرّ الحكي) والأقاويل العقيمة مثل (ياحرام) (شايف ماذا يعملون بهم!) (الله يساعدهم)، (الحق على…).

إن التعاطف الحقيقي يعبر عن ذاته بالاحساس العميق نعم والتفهم، وبنسج الروابط الصحيحة مع الناس حتى لو كان المتعَاطَف معه بالبعيد عني أو عنك، ولا يتأتى ذلك الا بالعمل ثم العمل ثم العطاء بتقديم يد العون بالفكرة الناضجة، والاعلام والوعي والدعم المالي، والإعلامي الدعائي التعبوي الكثيف أفرادًا وجماعات أطرًا ومؤسسات، وفي ذات الرواية بل وفي في تخليد المأساة (ضرورة تخليد نموذج مذبحة العصر والإبادة الجماعية في غزة، ما هو واجب على مجموع الفلسطينيين والأمة) فلا تكون عواطف متبخرة بمجرد انتهاء الحدث، (أو المسلسل…) ويقوم الشخص المتعاطف افتراضيًا بالانتقال للمحطة الفضائية التالية!

العيش في الفقاعة والرضا

يشكل الشخص المتعاطف افتراضيًا في البعيد حول ذاته فقاعة من الرضا الحقيقي! لانه يعتقد أنه قام بما يتوجب عليه! من مجرد الشعور (المؤقت) بالتعاطف وربما ذرف الدموع أيضًا، ولربما يعبرعنه بالكلام والمواقف الافتراضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإن دخل خانة المرحلة الثالثة قد يعبر عنه بالتظاهر فشكل ما من أشكال المقاطعة المؤقتة أيضًا، أو مد اليد على الجيب (لمرة واحدة)، ومرتبط باللحظة فقط. وتظل الفقاعة المرتبطة بالتعاطف الافتراضي والرضا عن الذات والحدود الدنيا من التعبير قائمة ما يمثل معظم الناس الانفعاليين المتهيجين، الا إذا حصل تحول كلي في العقل والجسد والمشاعر والافعال وبطريقة مثابرة لا شك فيها. وهذا التحول يعني انتقال الانسان العادي الى مناضل.

التعاطف مع الذات، ومتحف عالمي للكارثة

يجب ألا نقبل قط بعملية التحويل النفسي للألم الفظيع والمعاناة والكارثة الى هباء (الله يرحمهم، ولكم طول البقاء..وانتهى) ونضعها وراء ظهورنا، كأنها لم تحدث!؟ تحت دعاوي استغلال فكرة الصبر (والحي أبقى من الميت) في غير محلها بترويض الناس المنكوبين على قبول دمارهم وانتهاء حياتهم الطبيعية بالبلد، وكأن شيئًا لم يكن!؟ وبالتالي عدم بكاء قتلاهم والجرحى! فلا يكون الفائز من ذلك بهذه الحالة سوى القيادة الفاسدة التي أدخلت مثل هذه المفاهيم المنحرفة في عقول الناس بجلال القداسة الموهومة والتفلت من الاعتراف والمراجعة والمحاسبة أو دفع الثمن.

إن إلغاء عملية التعاطف مع الذات للمنكوبين هي عملية تدمير نفسي بتحقير الألم الذاتي ودفعه للخلف وتحويل النظر للعكس أي نحو (نعيم البؤس)! وكأنه (قدر) وما بقائد فاسد العقل بقدر قط.

تحقير الألم للمنكوب وتحقير الذات وقمع الاحساس هو عمليا نزع انسانية الانسان.

هل عيش الحياة العادية فكريا وجسديا وعاطفيا وماليا بلا أدنى تغيير (صفحة وقلبت) يتسق مع فكرة التعاطف؟ سواء مع الذات أو الآخرين؟ أم أن التعاطف الحقيقي يفترض تغييرًا ذاتيا ودافعا للعمل وبالتالي تغير ببعض الافكار والمشاعر والعادات. نعم إنه كذلك للمنكوبين أنفسهم وللمتعاطفين في البعيد، ويجب أن يكون أشد إيلامًا للقائد المسؤول عن شعب مساءل عنه يوم القيامة.

في إبان الحدث الكارثي غير المسبوق،  كارثة غزة العظمى ومذبحة العصر يفضل بعض فقراء التفكير تحويل التعاطف من (مع الذات) الى قضية أخرى! بتحويل النظر وحرفه ضد الآخرين! فيما الأجدر أن نتعاطف مع ذاتنا في غزة والضفة وفلسطين، ونركّز على ذلك بكل وضوح كفلسطينيين. ولا ننتقل الى الصفحة الثانية في الكتاب دون أن نسجل أن مذبحة العصر الكارثية هذه يجب أن تخلّد نعم، ولا نكف عن المطالبة بذلك حتى يحصل بمتاحف ومعارض ومزارات عربية وعالمية، وعبر آلاف التسجيلات والمسلسلات والشرائط (الأفلام) التي تدين المحتل ومرتكبي الإبادة الجماعية، والتعويضات…الخ، إنه أمر جلل، قضية، مشروع، ويستحق التخليد لهذه الاجيال والأجيال القادمة في العالم كلّه، أكرر في العالم كله، ولنرى ماذا سيفعل المتعاطفون افتراضيًا بهذا الشأن والقادة الفاسدون .  https://bakerabubaker.net/

 

 

 

بكر أبوبكر

كاتب وباحث عربي فلسطيني ورئيس أكاديمية فتح الفكرية، وعضو المجلس الاستشاري للحركة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى