زميلي الأحمق العزيز؟!
لا بد أن كل انسان قد صادف بحياته شخصًا مُتعِبًا جدًا، لا يرى الآخرين، قليل الاهتمام كثير الشكوى، بسيط الفكر عظيم الادعاء، قليل الخبرة كثير الاستعراض، لا يعرف أن يزِن كلماته.
والى ذلك فإن فمه الكبير دومًا ما يوقعه بالمشاكل، ولايقبل الا أن يُشرك الجميع معه. وهو الى ذلك لا يقرّ ولا يعترف بأي من أخطائه كما لا يستطيع أو لا يجرؤ أن يقول آسف أوأي من مشتقاتها، وإن حاول فهو لا يعترف كيف يختار الوقت المناسب ويقول قولته هذه من وراء ظهره ما تراهُ بسلوكه التالي!
لولا العيب!
الأحمقُ والسفيه قد تجده بالشارع أو المحل التجاري، وربما في المدرسة والجامعة والبيت والحارة والقرية والمدينة والبادية، والأفظع أن تجده بالعمل والنشاط والوظيفة أو في المنظمة الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية. وقد تتساءل وهل في مثل هذه المنظمات من حمقى؟ لتكتشف الكثير! ومنهم عرفتُ عددًا لا يُستهان به.
والله لولا العيب لكنتُ قد كتبت في حمقى المنظمات السياسية مثل حركة فتح وحركة حماس والجبهة الشعبية ممن أعرفهم، أوتابعتهم كتصريحات ومواقف وأفعال مثيرة وغريبة وحمقاء الكثير عبر السنوات الطوال، ما لايجوز في أيامنا السوداء هذه والحِرابُ تطعنً بنا من كل مكان فعله، ولا أظنني قادر لاحقًا أيضًا على تسميتهم للعامة لأسباب قد يفهمها الخاصة ويؤوّلها العامة.
صفوانٌ عليه تراب!
أحدهم كان لايرى أبعد من أنفه، بسيط الفكر لا يستطيع أن يخرج عن قاموس مصطلحاته الذي حفِظه عام 1964 أي قبل انطلاقة الثورة والمقاومة الفلسطينية الحديثة، ومازال يكرّره رغم الأهوال التي أحاطت بالقضية وأدت للتغيير!
وآخر عندما تكلّمه المرة تلو الأخرى، ولو كلّمته ألف مرة فإن كلامك المتجدّد والمتغير بالنسبة لك لا قيمة له عندهُ إذ يمر عليه كما يمرّ التراب على سطح الصخرة الملساء التي لا يستقر فوقها الترابُ أبدًا (كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا….البقرة 264) فما بالك ونسمة ريح تهب عليه بلا توقف؟!
وثالث عندما تمدّ يدك لمساعدته يتوجّس ويفترض الضعف إن طلب منك المعونة أو يفترض أنك تأخذ عليه ميزة ما.
وعرفتُ أحمقًا آخر لا يقتنع بالدليل والحجّة ولا بالرؤية والشرح، كما لا يقتنع لا بالتكرار الذي يعلم الشطّار، ولا بالإتيان بالحجة والدليل حقيقة راسخة أمامه؟! فما قد استقر بذهنه الصغير منذ الصغر هو فقط المرجعية له، ولا غيرها فتتعبُ نفسك وتعاني مفترضًا إمكانية التغيير وهيهات هيهات، فلا مجال لك لفتح الباب!
الأحمقُ القائم
قائدٌ سياسي معروف وضعَ من الأهداف الصعبة أمامه ما لن تستطيع جيوش مجتمعة أن تحققها، وقام بتوزيع رئاسة محافظات فلسطين المحتلة “إسرائيل” بين أنصاره منذ الآن! مفترضًا أنه بالكلام المنمّق الكبير، ومع صوته الصارخ بلا تخطيط ولا عمل ولا تحالفات…الخ، وبكثير من العمى والحُمق والهبل سيحرّر فلسطين خلال سنوات حدّدها (عمومًا انتهت المدة المحددة من زمن طويل ومازال هو قائمًا، أو قاعدًا خارج فلسطين)، والأدهى والأمر أن العميان ممن يصفقون له ويهلّلون ويكبّرون مقتنعين بالهراء والحمق والجهالة الى حد التأليه!
وهناك من الحمقى ممّن يدّعون العلم والفِهم ومنهم حملة الشهادات الورقية العليا، ويحتفظون بحرف من الحروف المعرّفة لهم، وكأن دراستهم أوقفتهم عند حد إضافة الحرف لأسمائهم فقط وانتهى عهدهم بالعلم والثقافة والدراسات والفكر، طلّقوا العلمَ فهم الى الجهالة أقرب والى عدم القدرة على فهم الاختلافات بالاتجاهات والمواقف من الحمار الذي يتجاوز مرعاهُ الى حديقة تعجّ بالأسود فيستمر بالرعي، وكأن لا شيء من حوله قد تغيّر، فصفته (أي الحرف) لصيقة به وكفى!
قالت العرب يُعرف الأحمق بستِ خصال: الغضب من غير شيء والإعطاء في غير حق والكلام من غير منفعة والثقة بكل أحد وإفشاء السر، وأن لا يفرق بين عدوه وصديقه ويتكلم ما يخطر على قلبه ويتوهم أنه أعقل الناس.
يقولون أن في كل منا في مرحلة أو موقف ما حُمق أو غفلة ولكنها تمرّ وترتبط بظرف، أما الأحمق (الأصيل) فيصّر إصرارًا على دوام الحالة فلا يتردد بتكرارها! فهو لا يتعلم ويفترض أنه مكتمل النور أصلًا.
يستسهلون ولايسترشدون
الحماقةُ أعيت من يداويها كما يقول الشاعر، والحمقَى يعيشون في نعيم وهم من تجد أمثالهم اليوم من رُكّاب وسائل التبعثر (التواصل) الاجتماعي على الشابكة الذين يميلون لتصديق ما يتفق مع أحلامهم وأوهامهم ومخاوفهم فترى المرئي (مقطع فديو) والمكتوب السخيف من جنس (منقول) بلا مصدر ولا مرجع يشكل حياتهم! ويأتون ليلقوا عليك محاضرة لا هي بالمعلومات فلا مرجعية، ولا هي رأي فللرأي أصوله المنطقية! ولا هو تحليل يأخذ بالأسباب.
يقفز الأحمقُ للنتائج بسهولة ليست بالطبع ضمن عقلنة أو تفكّر، ولا ضمن تدرج منطقي أوإبداعي في حل وتحليل المشكلة أو الموقف أوالموضوع. وهو مع ذلك يتعجب حين لا تلتفت له! وكأنك أنت الواهم الواقف على حدّ السيف لا تعلم شيئًا! ولا تعرف الى أي جانب تميل، فهو كل الميل قد أخذ بتلابيه الى الهاوية.
الحمقى نفرٌ من الناس اختاروا السهولة في مواجهة التعقيد الذي يكرهونه لأنه يستدعي المنهج العقلي، واختاروا ولربما تربّوا على البلاهة والبداهة البليدة، ومستنقع الغباء ومحيط الجهالة عن قصد بحيث لا يمكنهم أن يقرأوا بتاتًا! فالقراءة نموذج (موضة قديمة) ولا يسترشدون بالثُقاة أوالمراجع أوالعلماء أو الحكماء أو أصحاب الاختصاص. وبالطبع الى ذلك لا يشغلون الآلة الربانيّة المركّبة بأدمغتهم مادامت المواقع الالكترونية التركيبية على الشابكة (internet) وفضائيات التهييج والتضليل والتحشيد والتجنيد تقتنص فيهم الرغبات والأحلام السعيدة والمبهجة لتحولها الى واقع معاش ولو في معازلهم (فقاعاتهم) النفسية فقط!
الفضائحيات والحمقى
فمن أنت لتتصدى لهم والفضائية الفضائحية (الفضائحيات) الردحيّة الفلانية وغيرها تطبّل وتزمّر ليل نهار بما يظنونه حقيقة، وحيث يرغبون تمامًا. وهم الى ذلك لا يفحصون ولا يدققون ولا يأبهون بمطابقة الحقيقة أو ما يرونها حقيقة مع الواقع أو مع المستجدات من الأمور فما استقر في أذهانهم الضعيفة الواهية البراقة لا يتحرك ولو “بالطبل البلدي” فهو ثابت كثبات الجبال الرواسخ ونابض بالحياة.
لبعض الحمقى أو المغفلين أو السفهاء والجهلة لديك معزّة خاصة أو قُرب من أيام الحارة أوالدراسة أو العمل فهم الى حُمقهم لطفاء أومقربين فماذا عليك أن تفعل؟ ومنهم زميلي أو زميلك الأحمق العزيز!
كانت نصيحة العرب الدائمة تجاه الأحمق والمفغل هي باجتنابهم بكل مكان خاصة بالمجالس وحيث يتكلم العلماء أو المثقفين والمفكرين والكُتّاب أو حتى في المجالس العامة؟
لبعض الحمقى معزّة كما ذكرنا ارتبطت بزمن والتصاق مفروض وقرب لا فكاك منه فكيف إن كان زميلك الدائم بالعمل أو جارك أو صديق دراستك أو صاحبك في الحارة أو غير ذلك مما يصبح الفكاك منه والهروب شبه مستحيل؟ّ!
سِراطيات الحل
يقولون أن هناك سراطيات (استراتيجيات) كثيرة بالتعامل مع الحمقى مثل الابتعاد أو تقليل الاحتكاك بهم، أو صنع حالة نفسية تبعدهم عنك، أو مقاومتهم ومن خلال شهود..الخ ولكل حالة ربما تكون استراتيجيتها المختلفة.
لكني مع أمثال هؤلاء جربت من الطرق الكثير والتي منها تنقلت مع بعضهم ضمن المراحل التالية للحل: الغضب، القسوة معهم، محاولة الابتعاد، الفهم للشخصية، محاولة الإصلاح ما أدت الى نجاحات جزئية ثم نكوص للحالة، رغبة يائسة بالتغيير، التنائي النفسي، وصولًا الى الحزن العميم. فهل تراني نجحت أم كنت الفاشل الكبير؟! ومازال السؤال مفتوحًا!
بكر أبوبكر
رئيس أكاديمية فتح الفكرية
عضو المجلس الاستشاري لحركة فتح
رئيس مركز الانطلاقة للدراسات
