فكر

اعتزاز ونقد (كيف تتعامل مع حضارتك)

 

 

كنا منذ فترة قصيرة كتبنا مقالًا لقي القبول والاحتضان والاستحسان، لأنه يبرز انسانية حضارتنا فيما كان الظن عند البعض ممّن حدثونا خاصة الشباب أن لا تاريخ انساني ثقافي غني عندنا مثل هذا؟ في مظنة من اثنتين أولاهما أنه تاريخ حروب وقتل وخلافات وتنابذ وتفرق وهزيمة، مقابل أنه تاريخ مجون وعربدة وفسوق…الخ، مما هو رائج لدى المستشرقين الكذابين منهم وأذنابهم الذين يأخذون من التاريخ والحضارة العربية الإسلامية (بالاسهامات المسيحية المشرقية) ما يميت الأمة، ويجعل أبناءها يزدرونها ويحتقرونها ويتبرأون منها! وما يظهر على الأقل (بالاعتزاز أو التقليد أو التباهي) حين حشر الكلمات الاجنبية بمتن الكلام العربي، وما يجعل التنكر لها وكأنه هو الحضارة! إضافة لتبني حضارة اللأخلاق السائدة اليوم بالغرب العنصري الرغائبي الاستعماري العقل.

مقابل ما سبق وعلى الكفة النقيضة الأخرى تجد أولئك الماضويين المتجمدين الذين يعيشون في فقاعتهم اللذيذة وهم الذين يمجدون بل ويقدسّون التاريخ وأحداثة وشخوصه!؟ او أجزاء منها على اعتبارأنه تاريخ انجازات وعظمة وانتصارات لا مثيل لها! ويتوجب تقليدها كما جاءت دون تفكر أو تأمل أو مراجعات ونقد واستفادة مطلوبة بنص محكم التنزيل!

أن هذه الأمة لها تاريخها الرحب المليء بالثقافة والفكر والكتب والعلم والفن والحكم واللطائف والطرائف والاتصالات الجميلة والمناظرات والمحاورات والنكت والطرائف والسقطات والعثرات….الخ باعتبار أنها أمة تشكل مجتمعات أو مجتمعًا انسانيًا متكاملًا ومكتفيًا، ولا يحتاج محاضرات الفرنجة الغربيين ولا المتفرنجين من الغربان أصحاب تقليد مشية الحمامة.

إن طريقة النظر للتاريخ وخاصة تاريخ حضارتنا المتميزة بإسلامها الحاضن والمرن، وبعروبتها اللسانية وكل من دخلها من أقوام كريمة سواء عربية أو غير عربية، وبالمسيحيين المشرقيين الكرام يجب أن تكون محترمة فيما تحب أو تكره، وأن تكون نقدية وذات طبيعة مراجعة وتبيان الفاسد والفاتر والمظلم فيها، وإبراز القيّم والجيد، ما يعني أن أي مجتمع أو أمة لها من عوامل القوة وعوامل الضعف الكثير مما تجده.

إنك عندما تفهم المعنى المطلوب لطريقة التعامل مع تاريخك وحضارتك المتميزة فيك وأجدادك وأحفادك من بعدك، تدرك معنى التوازن والعدل والوضوح فلا ازدراء ولا احتقار للذات وبالمقابل لا تكبّر أو تفاخر ممجوج وبلا معنى.

كنا قد أشرنا كثيرًا لضرورة الربط الوثيق بين الماضي والحاضر والمستقبل، فلا نقبل بالعقل الماضوي التوقفي أي الذي لا هم له الا التغني بالماضي ويتوقف عنده حيث ماض مجيد تليد! فلا مثيل له، ولا ذاك الذي يضرب به وبكل علومه وآدابه وقيمه وثقافته وشخوصه عرض الحائط. وإنما العربي أو المسلم السوي والفاهم والعادل والمتزن هو الذي يرفض هذين الحدين القصويين. كما يرفض تخريصات المستشرقين الأوربيين، وأذنابهم من العرب أو أبناء الأمة. ويفهم أبعاد تكامل وانفتاح وتلاقح الحضارات مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية فكر وثقافة وقيم وأخلاق كل حضارة، لاسيما أن الحضارات المشرقية -التي نحن منها- كثيرة جدا (الصينية والهندية والأذرية والأفغانية والفارسية والكوردية والتركية، والفيتنامية واليابانية والماليزية والكورية واليابانية، وكذلك الإفريقية) ما يفوق تلك الغربية الاستهلاكية الرغائبية الطاغية حاليًا.

دعونا نفهم بالختام بالقول أن الأمة (العربية الاسلامية بعربها وامازيغها وكوردها…وبالمسلمين والمسيحيين فيها) أو بالامة الاسلامية الأوسع من ذلك حتى الصين، يتوجب علينا ضرورة محبتها واحترامها والفخر بها مع الاعتراف بالغث فيها والسمين وتقييمه ونقده، فنحن امتداد الأجداد وأحفادنا هم المستقبل، وكذلك إظهار تميزها ما هو واجب.

إن حضارتنا المنفتحة والمرحابة والواسعة تشكلت من علم وثقافة ودين (وأديان) وقوميات، ولغة عربية جامعة، وفكر ومفكرين كثر وعلماء أجلاء، وأخلاق وقيم رائعة، وكُتّاب عظام ومجتهدين لا حصر لهم، وبلا خوف أو حذر وبرغبة التعلم بقراءة عميقة وبنقد ومراجعة، ومن صراعات كثيرة وأحداث مهولة وانكسارات تحتاج تنخيل حيث الفساد والسلبيات والنقائص. مع ضرورة فهم حاجة تلاقح  كل الحضارات والاستفادة من كل علومها، مع لزوم التوقف عند ثبات احترام الذات الحضارية المتنوعة وذات الخصوصية مايؤهلنا بقيم الوحدة، والاعتزاز والنقد للتقدم نحو الأمام وصناعة المستقبل.

بكر أبوبكر

كاتب وباحث عربي فلسطيني ورئيس أكاديمية فتح الفكرية، وعضو المجلس الاستشاري للحركة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى