(إن الله يزع بالقرآن ما لا يزع بالسلطان)! بين ال”ما” وال”لو”.كما يكتب بكر أبوبكر
بكر أبو بكر
في تعليق على شبكة فلسطين للحوار التابعة لفصيل (حماس) ينشر أحدهم تحت اسم علي القاسم عن اعتقال شاب دخّن في رمضان جهرا، فتم سجنه من قبل أجهزة (حماس) فأصبح يصوم بالسجن على حد قوله، وتواصل المذكور متهكما قائلا (لما يطلع-يخرج من السجن بيصير القائد الفتحاوي العظيم؟ )، وأضاف ( كل التحية لشرطتنا الأبية، و نسأل الله أن يعينهم على الحق) وعلق عليه آخر بالقول (هذه الغاية من شرطتنا الحبيبة، أن تربي ؟! الناس )
وفي رد لمشاركة مصرية ناشطة قالت (ليس لهم الحق في فعل ذلك …..ومش شرطة “حماس” حتخلي ده يصوم و ده يفطر وده يصلي …..إيه ده، والله أمركم غريب) .
فرد عليها علي القاسم الموصوف عضو نشيط (يَزَعُ الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) و لن نناقش ما سبق من حوار، وإنما استخدام القول الأخير فقط .
في عدد من المنتديات الأخرى يتم الاستشهاد بهذا القول المأثور كسيف قادر على الفتك، ومنع ارتكاب الإثم والفاحشة، أكثر مما قد يفعله القرآن في نفوس الناس من منع وزجر لارتكاب الموبقات.
يقول الشيخ عبد العزيز بن بار رحمه الله تعالى على موقعه إن هذه (أثر) منسوب لعثمان بن عفان وثابت عنه، ويروى عن عمر (أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ) ليفسره بالقول (يمنع بالسلطان اقتراف المحارم أكثر ما يمنع بالقرآن) مضيفا (لأن “بعض” الناس ضعيف الإيمان لا تؤثر به زواجر القرآن و نهي القرآن بل يُقدم على المحارم و لا يبالي ، لكن من يعلم أن هناك عقوبة من السلطان ارتدع وخاف من العقوبة السلطانية، فالله يزع بالسلطان يعني عقوبات السلطان يزع بها “بعض” المجرمين أكثر مما يزعهم بالقرآن لضعف إيمانهم…..)
إن عدد من المراجع ومنها لدى الزمخشري في الفائق ورد منقولا عن عثمان رضي الله عنه مرفوعا ، وعند الخطيب البغدادي، وكما أورد د.محمد الشريف، و كما قال بن باز وعدد من الشيوخ الآخرين.
الا أن القول ورد على لسان عثمان بن عفان رضي الله عنه بصيغة ( “ربما” يزع السلطان الناس أشد مما يزعهم بالقرآن ) وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصيغة (لما يزع الله بالسلطان أعظم مما يزع بالقرآن)
يقول ابن منظور صاحب قاموس لسان العرب تحت كلمة (وزع) إن الوزع كف النفس عن هواها، مضيفا : ( وفي الحديث “من يزع السلطان أكثر ممن يزع القرآن” ومعناه أن من يكف عن ارتكاب العظائم مخافة السلطان أكثر ممن تكفه مخافة القرآن و الله تعالى ، فمن يكفه و يزجره السلطان عن المعاصي أكثر ممن يكفه القرآن بالأمر بالمعروف و النهي و الإنذار)
هنا نرى التفرق في صيغة القول وما يعني ذلك من اختلاف في المعاني حيث أنه بصيغة عثمان يقول “ربما” أي أنه يتضمن تشككا أو تبعيضا – للبعض فقط- ودون الإشارة لقدرة الله الحاسمة-إن الله يزع بالسلطان- وكأن ذلك قدر مسيطر، وفي قول ابن منظور إشارة واضحة “للبعض” من الناس بالقول (أكثر من) بينما القول المتداول مختلف كليا بما يحمل معنى المطلق، و أنه واجب أو إرادة من الله ، و وجب قبوله واستخدامه كما هو الحال بصيغته المغلوطة الأكثر تداولا (إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن).
لا نتفق مع الصيغة المتداولة أبدا ونقول أنه درج على ألسنة الكثيرين القول (ان الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن )، وفُهم من هذا القول / الأثر ان قدرة السلطان تردع الناس (حيث يزع تعني يكف و يمنع، ويزجر) أكثر مما تردعهم حدود القرآن، مهما أضاف البعض كلمة أحيانا وللبعض.
وفي تحقيق للقول المأثور لم يثبت قوله عن عمر ابن الخطاب و لا عن عثمان بن عفان رضي الله عنهما و بالتالي لا ينسب للرسول حيث عد (متروكا) كما قال عنه النسائي .
حيث أنه في تحقيق منشور للكاتب أبو رقية الذهبي في موقع الشيخ غالب المزروع ، ومواقع أخرى يقرر أن هذا القول لا يثبت لا عن عثمان و لا عن عمر رضي الله عنهما فضلا عن أن يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم رغم أنه-أي المحقق أبورقية الذهبي- يقر بمعناه ، ولكن يفسره بشكل مبتكر بالقول (ليس المقصود بالعبارة أن قدرة السلطان أعظم من قدرة الله عز وجل بل المقصود أن السلطان لو أجرى حدود الله – كما أنزلها الله- بلا هوادة لكف كثير من الناس عن الباطل ، و لكن الناس في هذه الحالة لن يدعوا عن غيهم طاعة لله و رسوله بل خوفا من السلطان ).
يقول الأستاذ أحمد عبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء: ( أن العلوم الإسلامية قد دلفت نحو قُطب التقليد، حينَ مُورست على الإنسان المسلم مجموعة من الضغوط والتقليصات، المعنوية والمادية. فحين استُبدل واقع «قل يا ابن أخي ولا تحقر نفسك» (الذي كان يُمارس في الصدر الأول حين قال عمر بن الخطاب هذه الجملة الرائعة لعبدالله بن عباس وكان فتى ساعتئذ)، بواقع مختلف، واقع «صه! واخرس قاتلك الله!»، بدأنا نرى بعض العلماء يتبوّأون مقامات فيها من الإطلاق والكليانية ودعوى امتلاك الحقائق ما قلص من الهوامش النقدية، وضيّق من مجالات الاجتهاد، كما أدّى إلى ظهور أنماطٍ من التبعية تحت دعوى القداسة في بعض الأحيان.)
وفي هذا المقام دعونا نثبت عددا من الأمور الأول: إن هناك اتفاقا عاما على أنه ليس حديث شريف مطلقا ، والثاني أنه مشكوك أو مرفوض نسبته لأي من الخليفتين الثاني أوالثالث ، أما ثالثا: فان نقاش أقوال و أفكار و أراء العباد أي كانوا ليس حراما أو دخولا في المقدسات بل هو جائز و ضروري، لأن النظر و التفكر والتدبر التي أمرنا الله بها، والعقل ومسالك التفكير فيه تختلف بل و تتطور نحو الأفضل لما زرعه الله في دماغ الإنسان من عقل خلاق مبدع.
لذا فإننا نرى أن القول المذكور و الذي يستخدم بشكل استبدادي وقهري ضد الآخرين بغض النظر عمن قاله ليس صحيحا -كقول- أبدا . بل و لا يتفق أبدا مع قوة الإيمان أو قوة الضمير أو منعة الأخلاق التي جاء بها الإسلام العظيم والقرآن الكريم.
فكيف يكون (للسلطان/ الحاكم) سلطة/قوة / تأثير/سطوة/ قدرة رادعة كابحة مانعة تتجاوز قدرة الدين الإسلامي، ويجوز لنا أن نعتقد أن في ذلك صلاح لنا؟ وننظر للخطأ بالقول على أنه صواب؟ ونحاول أن نلوي عنق العبارة و الكلام لمجرد انها نسبت لأثر تاريخي لم يصح؟
قال النبي سليمان عليه السلام في القرآن الكريم في سورة النمل “رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ وأن أعمل صالحا ترضاه”، أوزعني هنا أي أي ألهمني كما في تفسير ابن كثير والآخرين، فهو على قوته وملكه يقر بوضوح بأولوية وقدرة وقوة زجر أو كبح القيم والايمان والاخلاق من الله على سلطانه الزائل.
إن الإيمان بالخرافات و الأساطير وكثير من الأقوال و المرويات التاريخية تأتي من مثل هذا المنهج التقليدي او التبريري الذي يعبد النصوص البشرية ويقدسها ويدافع عنها، و يحاول أن يعيد ترجمتها كأنها (نص رباني مقدس) لا يسمح بمسها فتتجمد العقول عن التفكير وتأسر نفسها في قفص من حديد لا تتعداه.
هل كان قراقوش حاكما عادلا أم ظالما ؟ وهل كان سيف الدولة الحمداني كما وصفه المتنبي عادلا أم مستبدا ظالما ؟ وكيف النظرة للحاكم كافور الإخشيدي أهو متجبر أم سلطان محبوب ؟ وما القول في آخر ملوك الأندلس أبو عبد الله الصغير أكان مستسلما أم مذعنا و أمه صامدة أم أن أمه من فعلت به السوء ، وكان هو سياسيا بعيد النظر؟
إن هذه و غيرها مجموعة من الأسئلة نعتقد أن لدينا عليها إجابات تختلف عن الفهم العام المتداول الذي يصل لحد الأسطورة، التي يصبح الإيمان فيها مقدسا ويتم الدفاع عنها بشراسة تتهم الأخر في عقله أو دينه أو رأيه.
وعودة للقول المغلوط (إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) فإننا لا نعتقد أبدا بصحته كقول لأي كان تتم نسبته، لما له من طعن بالقرآن الكريم واضح و بين بينونة كبرى، و عليه فإننا نعتقد إن كان قد قاله احد من الرواة الموثوقين فهو محرّف عن لسانه كما حُرّف القول المشهور (كذب المنجمون و لو صدقوا) وهو ما كان كذلك وإنما كان (كذب المنجمون وما صدقوا) وبين ال”ما” و ال”لو” بون شاسع.
إن القول إن صح، و ليتفق مع القرآن الكريم وهدي الإسلام العظيم ومنطوق اللغة العربية هو (ان الله لا يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) بإضافة النفي قبل كلمة يزع الأولى الخاصة بالسلطان ليختلف المعنى كليا ويتسق، فيكون نفي النفي إثبات، أو (ان الله يزع بالقرآن ما لا يزع بالسلطان)، اللهم أهدنا ويسر أمرنا ووفقنا لمرضاتك.