أحدث مقالاتي

الثورة والمقاومة بين الخيال والخطوات المحسوبة

 

“من أجل تحقيق هذه الأهداف الكبيرة والتي سنغيّر بها وجه الكون بإذن الله، فنحن في أمسّ الحاجة لدعم مالي مقداره 20 مليون شهريًا ولمدة عامين، أي ما يعادل 500 مليون دولار في العامين، ونحن نثق أننا وإياكم من نهاية هذين العامين أو خلالهما إذا قدّر الله سنجتث هذا الكيان المِسخ، وسنغيّر وإياكم وجه المنطقة، وننهي بحول الله هذه الحقبة السوداء من تاريخ أمتنا”.

النص أعلاه يمثل جزء من الرسالة التي أرسلها قادة فصيل “حماس” الفلسطيني محمد الضيف ومروان عيسى ويحيى السنوار في 5/6/2021 الى “الاخ القائد المجاهد” المشار الى أنه قائد فيلق القدس الإيراني، كما نُشرت الرسالة استنادا لوزير الحرب الصهيوني في شهر ابريل/نيسان 2025م. وهي مما يستحق التأمل والتفكر خاصة –بالنسبة لنا-من زاوية طريقة التفكير.

نظريات الطوفان!

مما لا شك فيه أن الحدث المفصلي الكبير في القرن 21 كان فلسطينيا بل واقليميًا وبامتداداته الأكبر أي عالميًا هو ما حدث في 7/10/2023 وماتلاه من فظائع وإبادة صهيونية لشعبنا بما يحق معه اعتبار هذا المفصل بوثائقه مرتبط ببدايات الأشياء أو المواضيع أو الانطلاقات سواء انطلاقات الأفكار، أو انطلاقات الفصائل الفلسطينية ومنها حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح، أو حماس أو الشعبية أو غيرها، وسنُطلُ هنا بلمحات مقارنة لما صدر مؤخرًا بالرسالة السابقة الإيراد-بتقدير صحته-من حماس 2023 وطريقة الفهم مع ما سبق اعتباره للتنظيمات الاسلاموية وبدايات الفكرة في حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح

إن صحت الرسالة فإن العامين المذكورين ينتهيان في العام 2023 حيث حصلت الواقعة الكبرى بالمقتلة الصهيونية والإفناء العرقي في غزة.

وبالنقاش لهذه الرسالة أو محاولة فهم طريقة تفكير كاتبيها لا نريد العودة لما حدث بالمباغتة (طوفان الأقصى) أكان إعدادًا عظيمًا وفكرة لامعة ومفاجأة لم يسبق لها مثيل، أم أنه فخ نصبه مجرم الحرب “نتنياهو” للفصيل وقادته؟ أم هو بنفس نسق الاستدراج الأمريكي لصدام حسبن وغزوه الكويت لتدمير نظامه وهو ما كان؟

ولا نريد الاندراج في عقلية المؤامرة التي ترى بالطرفين أي الإسرائيلي و”حماس” خاصة في غزة يعملان معًا ويدعمان بعضهما البعض في سعي حثيث للقبض على السلطة والسلطة فقط لكليهما! كما لا نريد الدخول في فرضية تواطؤ دول التتبيع الابراهامي ضد فلسطين وقضيتها بالكلية أو على الأدنى من الحد ضد فصيل “حماس”، ما تمثل كل الأفكار السابقة محاولات لفهم ما حصل بين الحدين الأقصيين رغم أن الأمور قد لا تقاس بهذه الطريقة أي بالأسود والأبيض فقط! أو بالاستناد للعامل الواحد فقط لتفسير الأحداث المركبة والمعقدة في عصر الهيلمان الإسرا-أمريكي.

الداية ثم أبومرزوق ويوسف والاعتراف أخيرُا!

وفي ذلك أي بالموقف مما حدث في الطوفان أو المباغتة وما تلاها نحيل من يرغب لمراجعة مقال د.احمد يوسف بتاريخ 24/3/2025م حيث كتب تحت عنوان: “الفلسطينيون ليسوا إرهابيين .. يا ترامب: قضيتنا وطنٌ نطلبه أو نموت فنعذرا!! ليقول: “كان السابع من أكتوبر خطأ كبيراً ما كان له أن يحدث لو كان الفلسطينيون يجمعهم إطار قيادي واحد.” ويؤكد ثانية بذات المقال “كان السابع من أكتوبر خطأ في القراءة والحسابات وما حدث من تجاوزات، مما أعطى لنتنياهو الذريعة لشنِّ حرب الإبادة الجماعية على الفلسطينيين في قطاع غزة.”

ونحيل الى تصريحات د.موسى أبومرزوق من فصيل “حماس” على العربية 26/1/2025م حيث صرّح “أننا لم نحقق بعض من أهداف 7 أكتوبر”، موضحًا أن “هدف الحصول على الدولة الفلسطينية من 7 أكتوبر لم يتحقق، كما أن هدف وقف الاستيطان لم يتحقق أيضاً، وكذلك وقف حصار غزة لم يتحقق”. فيما أكد أن “خسائرنا في الحرب كانت كبيرة”!؟

والى ما سبق قال أبو مرزوق في مقابلته مع صحيفة “نيويورك تايمز” في شهر شباط/فبراير 2025م، إنه “لم يكن ليدعم الهجوم لو كان يعرف الفوضى التي سيخلفها على غزة”. وقال: “إن معرفة العواقب كانت ستجعل من المستحيل عليه دعم الهجوم”. وقال:”لو كان متوقعا أن يحدث ما حدث، لما كان هناك هجوم 7 أكتوبر”!. وأضاف “سيكون غير مقبول الادعاء بأن “حماس” انتصرت، خاصة بالنظر إلى حجم ما ألحقته إسرائيل بغزة”.

إن د.يوسف ود.أبومرزوق من حماس من الذين تجرءوا -ربما قلما يحدث ذلك- واعترفوا بخطأ الحسابات والتقدير في الطوفان، وتحدث الشيخ د.سلمان الداية من غزة أيضًا حول الكارثة والمفاسد والمصالح (شهر/11 2024م)  مدينًا ما حصل ومنتقده بشدة حيث أنه “في حال عدم توفر أركان الجهاد أو أسبابه أو شروطه، فيجب الامتناع عنه لتجنب هلاك الأرواح”.

ومن غيرهم أشار الداعية الكويتي الشيخ عثمان الخميس (شهر 3/2025م) منتقدًا تصرفات “حماس” كما تحدث القيادي السلفي المصري د.ياسر برهامي (ابريل 2025م) حيث “غيرنا موقفنا من حماس…لقد أخطاوا بالحسابات للدمار الهائل الحاصل ، وإن كانوا غير مقدرين لما سيحصل أخطأوا أيضًا، وان لم يجتهدوا وبنوا على الباطل فهم آثمون”، وهو ما سبق وقلناه أنا وكثير من كُتاب العقل وكنت قد أصدرت كتابًا حول ذلك تحت عنوان: “النقد المحرّم وجريمة التفكير! في ظل العدوان على غزة؟!”

بين نكبة 1948 ونكبة وبائقة 2023م

إن ما حصل في يوم المباغتة والطوفان (او بالأحرى ما بعد اليوم الأول) سواء ضد الإسرائيلي، أو ضد فلسطين والفلسطيني في غزة، والضفة (وبالنتيجة الملتهبة) هو كارثة عظمى ونكبة ولربما نقول (بائقة) حيث الشدة والمصيبة الصعب الخروج منها.

إن ما حصل في غزة (2023-2025م) نكبة وبائقة لا مثيل لها منذ النكبة الأولى عام 1948 وبالأرقام إذ أنه في غزة حتى بداية شهر نيسان 2025 كان عدد الشهداء 50 ألفًا، و11 ألف مفقود، وأكثر من 100 ألف جريح ومصاب، والكل تم تهجيره تقريبًا.

وللعلم فإن كل الجيوش العربية والمتطوعين المجاهدين عام 1948م كانوا بتقدير 30 ألف مقاتل! وبأدنى درجات التجهيزوالتسليح والتنسيق والتدريب والقيادة الاجنبية لغالبهم، مقابل ما فوق 107 ألف صهيوني كامل التدريب والعدة والتجهيز والتسليح ووحدة القيادة والأسلحة المتفوقة والدعم الغربي المطلق…الخ، وبالأثناء (1947-1948) قامت العصابات الصهيونية المدعومة غربيًا وخاصة من أمريكا وبريطانيا بتهجير ما يقرب المليون فلسطيني من أرضه القاطن فيها منذ ما قبل التاريخ، واستشهاد ما يقارب 20 ألفًا، و70 مذبحة، وتواصل شلال الدم والشهداء الى 100 ألف ما قبل المباغتة (أي من 1948-2023م) .

وفاجعة تفوق تدمير الطائرات البريطانية والأمريكية لمدينة “درسدن” الالمانية بالقنابل الحارقة أثناء الحرب الأوربية (المسماة العالمية) الثانية (كانت الضحايا بحدود 25 الى 35 ألفًا) وهي مقتَلة ضاهت ما حصل بضحايا القنبلة النووية الأمريكية التي أُسقِطت على ناغازاكي باليابان (قتل 40 ألف فورًا، ووصلت الى 80 ألف نتيجة الآثار اللاحقة).

الحركة والفدائي والديمومة

” أخي يا رفيق النضال، من أجل فلسطيننا الغالية، من أجل الثورة لتحرير أرضنا السليبة، وحتى يشرق فجر الكرامة الذي تاه في ليل النكبة الطويل انطلقت حركتك. تدرك طريقها وتسلك منهجًا ثوريًا بناء يرسي دعائم العمل الثوري على أسس علمية واعية بروح إيجابية خلاقة فاعلة واستراتيجية موحدة، وبعيدًا عن العاطفة الساذجة…وبعيدًا عن السلبية والارتجال والتخبط والفوضى تضع الحركة بين يديك هيكل البناء الثوري”.

هذه كانت مقدمة هيكل البناء الثوري أول الوثائق في الخمسينيات والستينيات لحركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح والتي أكملت حديثها لتعتمد كليًا على “أن قوة الحركة وامتداها يعتمد على فاعليتك أنت وعلى مدى تقديرك للمسؤولية التاريخية التي تحملها الطليعة الثورية من أبناء شعبك” مضيفة تحت عنوان: لابد أن نتحرك، القول “كان لا بد للطليعة الثورية (والفدائيون) التي تدرك مسؤوليتها أن ترسم طريقها، وتحدد خطوط سيرها في إطار الواقع المحيط وبعيدًا عن الارتجال والعفوية على أسس منفتحة واعية لسائر الظروف والاعتبارات…. وسائر المجالات المحلية والعربية والدولية”.

الوعي مقابل الوهم!

هكذا كانت البداية النظرية فهمًا واقعيًا بعيدًا عن الارتجال أو الخيال أو الوهم بالآخرين بل بالبدء من الذات الفدائية وقوى الذات، لذا كان تنظيم الطليعة وبالجماهير هو الأصل بالحركة، ومع اختلاف الظروف بالبدايات من نشأة الثورة والمراحل اللاحقة ومن شابها من اخفاقات، الا أن الأساس النظري باعتماد التفكير العلمي والواقعي والاستناد لقوى الشعب ظل المحرك حتى اليوم، وفيما حصل من متغيرات داهمة لم تأخذ بالوهم أو الخيال أوالارتجال، وإنما مصلحة الشعب والأمة وتحرير الأرض لأن “معركة فلسطين هي معركة الأمة العربية، وقيادة الشعب الفلسطيني للنضال العربي” .

بالطبع فإن الظروف اختلفت والقياس بشكل كامل لا يصح ولا يجوز، ولكن المباديء على ما ظهر تظل كما هي رغم أنه عبر المسيرة الطويلة تغيرت أهداف ومباديء كما تغيرت وتعددت الكثير من الأساليب والوسائل النضالية على اعتبار التغيير والتطور جزء لا يتجزا من الفهم السياسي وفي ظل عمق الفكرة العلمية او الصلبة المرتبطة بالغاية والإيمان بالله والحق والعدالة لذلك ذكرت الحركة في ما تسميه “بيان حركتنا” وتحت عنوان انسانية الطليعة “إن على الطليعة من أبناء عرب فلسطين عبئًا انسانيًا كبيرًا هو تخليص المجتمع الفلسطيني من آثار النكبة كلها….وستذوب الطليعة مع شعبنا ليبزغ بهذا الاندماج فجر الثأر والحرية والعودة الكريمة الى الأرض”.

إن الثورة أو المقاومة أو إن شئت تسميتها بالجهاد أو النضال هي جهد متراكم يقوده الطلائعيون يذبون به عن الجماهير، فيقدمون حياتهم فداء للناس والوطن، ويعون حالة التشابك بين الامكانيات والقدرات والمحاور والمعسكرات والاقدام والاحجام، والتقدم والتراجع، ولا يلقون شعبهم بالتهلكة بل يقيمون لهم كل الوزن الكبير. فالمسيرة طويلة والدرب شاق. والديمومة تعنى أصالة الفكرة وحراكية أدوات النضال.

 

 

 

بكر أبوبكر

كاتب وباحث عربي فلسطيني ورئيس أكاديمية فتح الفكرية، وعضو المجلس الاستشاري للحركة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى