أحدث مقالاتي

“دنيس روس” وأمريكا، ومركزية إسرائيل!

 

لماذا “دينيس روس”؟ قد يسأل سائل عن ذلك وهو محق لمن لا يعرف الرجل، ف”دينيس روس” هو السياسي الامريكي والدبلوماسي المحنّك الذي خاض مع الراحل ياسر عرفات جولات وجولات إبان تسلمه مهمة السلام بالشرق الأوسط، ما هو من التاريخ الماضي نعم، ولكن.

إن “روس” دبلوماسي يصفه الأمريكان بالبارع كّلفته الولايات المتحدة بقيادة دفة عملية السلام خلال حكم إدارتَي الرئيس بوش والرئيس كلينتون. وقد أدّى دوراً محورياً في “مساعدة الجانبين”! الفلسطيني والإسرائيلي على التوصل إلى “اتفاقية أوسلو الثانية” عام 1995؛ كما توسّط  للتوصل إلى “اتفاق الخليل” عام 1997 وسهّل معاهدة السلام التي أُبرمت بين الأردن و”إسرائيل” عام 1994 ودأب بجدٍّ على التوفيق بين “إسرائيل” وسوريا، كما يشير معهد واشنطن الذي يشغل مهمة المستشار فيه.

إن التعلم من التاريخ هو سِمة الاذكياء، كما الحال مع عدم تكرار أخطاء الماضي وخطاياه، وهذه نقطة تستدعي بنا الحديث عن هذا الرجل.

أما الثانية فإن مراكز الدراسات الامريكية لا تُسقط من حساباتها المفكرين أوالسياسيين القدماء بل تستوعبهم وتبجّلهم وتحترمهم وأحيانًا لتعيد تصديرهم كشخوص أو أفكار ومشاريع للإدارات الأمريكية مرة أخرى، فلا يخضعون لحالة الصلاحية المنتهية، ولنا بنموذج وزير الخارجية الامريكي الثعلب  هنري كيسنجر أيضًا خير دليل.

أما ثالثًا فلأن دينس روس لم يخلف إرثه السياسي بلا كتابة، بل كان له كتبًا من أهمها الكتابين السلام المفقود: خفايا الصراع حول سلام الشرق الأوسط، والآخر: فن الحكم،كيف تستعيد أمريكا مكانتها بالعالم واللذان يشكلان بكليهما دستور التفكير الأمريكي للعجرفة والهيمنة والاستبداد بالعالم ما يتم الاستدلال عليه بطبيعة التعاطي مع منطقتنا العربية الاسلامية وفي آلية إدامة الحكم الأمريكي المطلق الى الأبد.

اما رابعًا فلقد ظهر اسم دينس روس الرقم الكبير ضمن باحثي مركز واشنطن لسياسة الشرق الأدنى مع العدوان الصهيوني على غزة، فلم تكد تمر أيام على أحداث التطهير العرقي والإبادة والمجزرة اليومية حتى كان يجول في فلسطين الداخل، ويلتقي مع الإسرائيلين كما كان باعتقادي أول من قدم “خطة اليوم التالي في غزة” وذلك في 17/10/2023 بنفس تاريخ مذبحة المعمداني المهولة في غزة. (مع زميليه الصهيونيين أيضًا روبرت ساتلوف، وديفيد ماكوفسكي) وسعى من خلالها لتثبيت الفصل والانقسام الدائم بين الطرفين الفلسطينيين بكل من الضفة وغزة، وضمن سياقات تتأسس فقط على تدمير الكيانية الفلسطينية الى الأبد.

في خامس الأمور فإن “دينس روس” مبعوث السلام السابق الى الشرق الأوسط وهو الوزير والسياسي  والسفير الأمريكي اليهودي، والصهيوني بنفس الوقت المؤيد ل”إسرائيل” ظالمة أومظلومة بأسلوبه وبكل قوته هو رجل المهمات الصعبة قديمًا، وها هو اليوم يطلّ عبر إشاراته التي لا تخطئها العين في عديد المقالات الجديدة ساعيًا لتتبيع الإقليم من جهة، ورافضًا لاستقلال دولة فلسطين مهما تلاعب بالكلمات، ورغم كل ما يحصل.

“دينيس روس” الذي  اضطلع لأكثر من اثني عشر عاماً بدورٍ ريادي في رسم معالم الدور الأمريكي في عملية السلام في الشرق الأوسط وفي التعامل المباشر مع أطراف المفاوضات يحدّد ثوابته الواضحة في أحد مقالاته عام 2015 المنشور في معهد واشنطن حين يقول: “إن “إسرائيل” ستستمر في كونها شريكاً طبيعياً للولايات المتحدة. ف”إسرائيل” ليست فقط الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، بل هي أيضاً البلد الوحيد الذي يتمتع بالمؤسسات وبسيادة القانون!؟”

ومضيفًا بذات مقال الثوابت أن: “واشنطن دائماً ما قرأت أولويات القادة العرب بشكل خاطئ. فالأولوية ليس “إسرائيل”، بل أمنهم واستمرارهم. فالمنافسون الإقليميون يشكلون التهديدات التي ينشغلون بها، وهم يعتمدون على واشنطن لضمان أمنهم. نظراً إلى ذلك، فإنهم لن يربطوا يوماً ما بين علاقتهم مع الولايات المتحدة وعلاقة واشنطن مع “إسرائيل”.

ويخلص الى أن واشنطن تعاني رؤيتها من الخلل في فرضية مركزية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في المنطقة وموقف الولايات المتحدة منه. “ولا يرى معظم الزعماء العرب أن هذا الصراع يؤثر بشكل جذري على أمنهم.”

وحديثًا في 5/2/2024 يكتب “روس” رافضًا الدولة الفلسطينية بكل قوته -ومن ورائه الإدارة الامريكية برأينا- لكن بطريقة ملتوية ومخادعة قائلًا في خطته للسلام في غزة عن المجتمع الفلسطيني والإسرائيلي-كي لا يقول الشعب الفلسطيني على ما يبدو:”ينغمس هذان المجتمعان تماماً كلّ في صدمته. وبالتالي، لا يبدو أن هذا هو الوقت المناسب للحديث عن إقامة دولتين لشعبين وإنهاء النزاع. ولا يمكن لأي منهما أن يتصور تقديم تنازلات للآخر”!؟

وعندما يتعرض لمسار قد يكون من شأنه الاعتراف بالدولة الفلسطينية يسارع الى القول أنه “إذا رأت الولايات المتحدة أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يمكن أن يشكل جسراً إلى مستقبل أفضل – بحيث يُظهر لكل من السعودية والفلسطينيين أن تطلعاتهم الوطنية ستتم معالجتها بجدية – يجب أن يقترن هذا الاعتراف بمعالجة المخاوف الإسرائيلية.” وليضع اشتراطاته الستة (التي سماها مؤهلات وشروط) بورقته هذه على الدولة الفلسطينية كالتالي:

  • لا يجوز أن يقود الدولة الفلسطينية أولئك الذين يرفضون وجود “إسرائيل” وواقع (حل) الدولتين.
  • يجب أن تكون خصائصها السيادية متسقة مع الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية، التي تتطلب أن تكون الدولة منزوعة السلاح على الأقل، وألا يُسمح لها بتشكيل تحالفات مع الجهات المعادية ل”إسرائيل”.
  • يتعين على قادتها أن يتقبلوا شرعية “إسرائيل” (وليس مجرد وجودها الفعلي) كوسيلة لتقويض مصداقية أولئك الذين يستمرون في رفض “إسرائيل” وفي تنفيذ الأعمال الإرهابية ضدها.
  • لا يجوز لها أن تستمر في التحريض على العنف ضد “إسرائيل” ونشر الكراهية ضدها، وهو الأمر الذي لطالما انطبق للأسف على “السلطة الفلسطينية”.
  • تحتاج إلى مؤسسات ذات مصداقية وحوكمة متينة لضمان ألا تكون دولة فاشلة.
  • أخيراً، يجب أن تكون قادرة على إدانة أفعال “حماس” وأعمالها الإرهابية بشكل صريح، وإلا قد يفسر عدم قيامها بذلك على أنه دعم لتلك الأعمال.

إن دينيس روس شخصية أمريكية سياسية تقليدية اتخذت كمثيلاتها من الشخصيات السياسية الامريكية الصهيونية مسار السياسة والدبلوماسية المتعجرفة لتحقيق رؤية الإدارة التي عبر عنها هو ذاته بوضوح لا يرقى اليه الشك بتواصل الكيان الصهيوني في فلسطين مهما كان النظام  الصهيوني القائم حتى في أوج عنصريته وممارسته للأبارتهايد والإبادة التي لا يراها بتاتًا في ظل كذبة أنها “الدولة الديمقراطية الوحيدة بالمنطقة”! كما كرّر هو وأترابه من الغربيين الصهاينة. ومازالوا رغم ما يحصل من مذبحة العصر في فلسطين من بوابة قطاع غزة. وهو الى ذلك يربط المصالح الأمريكية بإبقاء منطقتنا مفتتة عاجزة بحاجة أبدية له، ورابطًا أمريكا بثروات المنطقة لا يريد التخلي عنها مطلقًا في مقابل تيئيس الفلسطينيين والأمة العربية والإسلامية من تحرير فلسطين ولو على المتاح من الأرض بفرضية “روس” والغرب الاستخرابي أن قضية فلسطين لم تعد مطلقًا القضية المركزية للأمة.   https://bakerabubaker.net/

 

بكر أبوبكر

كاتب وباحث عربي فلسطيني ورئيس أكاديمية فتح الفكرية، وعضو المجلس الاستشاري للحركة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى