مقالاتي في الصحف

لانريدُ دمار الضفة!

 

صرخ في وجهي من سماعة الهاتف من الطرف الآخر وهو يتحدث غاضبًا من طولكرم المنكوبة اليوم فقال لي: سيبك/اترك الأمر الذي تقوله، ف”حماس” في خطلها، وسوء إدارة الأحداث والتمادي بزهو القوة الوهومة -التي زالت وتلاشت- دمرت غزة بشعبنا فيها فعلًا. وتريد الآن تدمير الضفة، و”الرب” الايراني يحصد! وهو الذي وعد وأخلف!

أنا (أحدّث نفسي): كنت أتأمل هذه الاستنتاجات الصارخة شديدة الغضب، فاستغربتُ! وتفكّرت في لحظة صمتى التأملية القصيرة جدًا أحاول أن انتقي كلمات الردّ المتزن، ليحملني هو ويطوّح بي جانبًا.

قطع صمتي وصرخ ثانيةً قائلًا: ألم تكتشف بعد أن فلسطين بالنسبة ل”الاخوان المسلمين” كما قال الزهار ليست الهدف فهي لاتظهر على الخريطة؟! وأن الغلو والمكابرة وإلقاء الناس بالتهلكة لايعني شيئًا لتنظيم يظن أنه “رباني” أي يتفوق على “أرضية” قضية فلسطين؟! ب”قيادة البشرية” أي حكم العالم كما قال قُطب!

قلت: أتسمع لنفسك حين تقول “رباني” و”أرضي”!

قال: كان لنا الوعي. ولكن سقوط الوعي لدى قادة “حماس” السلطويين،وعدم قدرتهم على الاعتراف بالخطأ من أكبر الرذائل التي أدت للمكابرة والغرور الحالي. ما كان “الاخوان المسلمين” بالفهم القُطبي المتطرف ضد المسلمين غيرهم “الجاهلية” يومًا يرون الأرض الا وثنًا! و”استاذية” أو “قيادة” العالم هي الحقيقة. وأنت كتبت فيهم كتبًا!

قلت: كتبت فيهم وبحركة فتح بالمقابل الكثير نعم، ولكن بلا غضب الكلمات الحانقة والمشحونة والاتهامات المنفلتة، وربما في موضع صعب هذه الأيام!

قال لي: الاسرائيلي يسعى من زمن طويل للتهجير والقتل ويمارس “الأبارتهايد” ويعتاش على هبلنا وقلة وعينا، وما كان لنا بتاتًا أن نعطيهم أية ذريعة للتسريع بذلك ضمن أوامر محور الرب الايراني، خاصة بعد “مذبحة المعمداني” التي أفصحت عن نوايا الصهيوني بالإبادة الشاملة.

قلت: استغفر الله، تقول “الرب” لإنسان!

قال: وأنت تقول رب البيت وربة البيت ورب العمل، فما المشكلة، أراكَ تُسخّف كلامي!

ثم أكمل حانقًا: لن تكون الضفة غزة ثانية! نحن نريد إعمار غزة وازدهار الضفة.

ونثق أن الوعي ومن تجربة غزة يقول: تعلّموا وافهموا، لن تُحرّر فلسطين بالغباء، وبلا حلفاء صادقين، وبافتراض أن العالم سيحارب مع فلسطين. القضية مدّ وجزر وتقدم وتراجع، وجولات وفشل ونهوض وتوقف لاستراحة الشعب والمحارب ثم انطلاق، وكان لمثلهم أن يتعلموا ولاينصاعوا “للمرشد” الذي لن يكون في باله يوما تحرير فلسطين، أو حتى بالحد الأدنى الرد على مقتل اسماعيل هنية.

قلت له: أنا أقول بكلماتي أنه بوحدة كلمتنا، ووحدة القيادة كلها، وبثباتنا الجمعي وليس بالنزق الفردي أو الحزبي نتجاوز الإبادة والمذبحة اليومية المتواصلة وسوء الإدارة للمعركة من الطرفين الفلسطينيين، وعقم الفهم وعدم قبول النقد أو المراجعة، وبالوحدة أيضًا نتخلص من حالة التشبث بكرسي الحكم والسيطرة ولو على مزبلة! وأيضًا بعمقنا العربي الأصيل مهما كان لنا فيه الأقاويل.

قال-وكأنه قد هدأ: نعم، ولسنا الاتحاد السوفيتي (روسيا حاليًا) في مواجهة أمريكا، فنحن فتية آمنوا بربهم ، وثاروا نعم، ولكنهم بافتقاد الدعم من كل الجوانب يذهبون لحتوفهم بغباء وفداءً للآخرين! وكما قال أحدهم نحن “مسخّمين/ضعفاء” نواجه ديناصورًا عراة، فلنتواضع قليلًا ونعي، ونحترم دماء شعبنا ونعيد ترتيب أوراقنا، فالجولة الحالية قد استنفدت، وهناك جولات كثيرة قادمة! وأشكال النضال المناسبة كثيرة.

قلت: الحقّ على أم الولد، أي على حركة فتح كما يقول بعض الكُتاب ل”تلمّ” الوضع!

قال: نعم، يجب أن تستفيق حركة “فتح” اللاهية عن شعبها وواجبها، والشعبية والديمقراطية المتهالكتين على الاختلاف، ويجب ان تستفيق “حماس” المُغرِقة لشعبها في فساد التخطيط والرؤية، وتحمي شعبنا في غزة وفي الضفة، وتمدّ يدها لخصمها ليخرجا معًا من سوء ادارة المعركة والانصياع لأوامر “المرشد”.

قلت بمحاولة لتخفيف حدّة الخطاب: أي “مرشد” تقصد!

قال: أفهم قصدك وتهكمك، ولن أجيب فالكل يعلم! وخُذ الى ما سبق فلقد كان يجب الترحيب بخطوة أبومازن لغزة من “حماس” فهي إنقاذ لهم من وحل لوقف الإبادة. لكن عنادهم واصرارهم على الغيّ “وسلطتهم المتفردة الخالدة بغزة” كمن “أخذتهم العزة بالاثم” ولا يريدون الرجوع للوعي.

وأضاف: وكان على “فتح” أن تجلس معهم أكثر، ولا تنبذهم، لتزيد من السُعرات الفلسطينية فيهم على حساب غباء امكانية سحق العدو (في ظل الحرب التي نقوم بها لوحدنا ضد أمريكا وليس “اسرائيل” وبلا ظهر مطلقًا) لاسيما وأن جلّ الحديث بالمفاوضات التي ليس فيها المنظمة ولا أي فلسطيني هو العودة لما قبل 7/10 وحفظ الرؤوس والحكم! أكرّر وفي التكرار إقرار أن سوء إدارة الاحداث، والكِبْر والجري وراء المحاور هو ما أعمى عيونهم لاسيما أن سيدهم يتقن المتاجرة وتدبيج الكلام.

قلت: يجب علينا التريث رغم اتفاقي في قضية سوء الإدارة للعدوان من الطرفين، واتفاقي في فساد المقارنات مع من سبقنا، والفرق المهول بميزان القوى نعم ما يستدعي شديد النقد والمراجعة وإعادة النظر والخروج منتصرين لشعبنا العربي الفلسطيني المنهك الآن بهذه الجولة الحمراء، وليس لفصائله الزائلة، ونزق السياسيين وتدليس الاعلاميين.والجولة القادمة قريبة جدًا إن لم يبزغ فجر فلسطين.

بكر أبوبكر

كاتب وباحث عربي فلسطيني ورئيس أكاديمية فتح الفكرية، وعضو المجلس الاستشاري للحركة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى