قال أبو إسحاق الصابئ: كنت يوما جالسا في دار المهلبي والقاضي أبو بكر بن قريعة على قرب مني يصلي. فلما فرغ من صلاته نهض وبسط يديه يدعو، ورفعهما حتى كشف إبطيه، ثم سجد سجدة طويلة وهو يشد بجبهته الأرض ويمحي وأنا أتأمله، فلما فرغ من صلاته ودعائه قال لي: لم كنت تحد النظر إلي وتوفر فكرك علي وأنا أصلي؟ أصبوت يا شيخ الصابئة إلى شريعة الملة الصافية؟ فقلت: لا، بعد، ولكن كنت أعجب من القاضي وهو يرفع يديه حتى يعلو رأسه ثم يحط جبهته الأرض حتى كأنه يحفر بها، فاستشعرت أنه بمثابة من يبتغي طلبته من موضعين متنافيين، وكان عندي أني قد قطعته. فقال: وما ذاك يا شيخ الصابئة بعجيب، وإن له من الصواب لأوفر نصيب. فقلت: وكيف ذاك؟ فقال: لأنا نشير بأيدينا إلى مطالع رغبتنا رافعين، قال الله تعالى: وفي السماء رزقكم وما توعدون. ونخفض جباهنا إلى مصارع أجسامنا خاضعين، قال الله وهو أصدق القائلين: منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى فنحن نستنزل بالأولى لطيف الأرزاق، ونستدفع بالأخرى عنيف الإرهاق، والله كريم. ودمعت عيناه فأبكاني، وعظم في عيني. فدخلت على الوزير وأعدت عليه ذلك، فعجب منه وقال: هو واحد زمانه.-التذكرة الحمدونية
View on Path