الاستقواء على حركة فتح
بكر أبوبكر
هل يكون الاستقواء التنظيمي قابلا للنماء في داخل التنظيم؟ أم انه فقط يأتي من خارجها؟ وهل من الممكن أن يكون الاستقواء صنو القيادة أم أن الكادر قادر على الفعل بالمثل؟ ومجموعة أخرى من الأسئلة تبرز في ظل الضغوطات التي تهاجم حركة فتح وقيادتها أولا من العدو الاسرائيلي، وثانيا من الخصوم السلطويين، وثالثا من بعض الأطراف الخارجية والداخلية، ورابعا لأن معركة المؤتمر السابع تستعر من الآن رغم أن معاركنا الحقيقية مع العدو الصهيوني قد ابتدأت الآن….
ولأن الشأن الفتحوي في الكثير منه أصبح متاحا والكلام فيه مباحا للعالم والجاهل فإن لم تتكلم أنت في قيادة الحركة فإنك لا تستطيع أن تمنع تبلبل الأفكار وتشتت الرؤى فالكلام والحوار من أوجب الواجب بين القيادة والكوادر على الأرض وفي الاجتماعات الدورية خاصة في ظل منصات حوار قد طارت مع بساط الريح فتناقلت ما هب ودب من الكلام الذي في ثلثيه بعيد عن الحقيقة والواقع.
حركة “فتح” من التنظيمات الفلسطينية المناضلة في كل مراحلها، ولا أقول هذا كما يظن البعض تعصبا أو تطرفا للحركة، فأن أضع حق الحركة أو أي فصيل في نصابه لا يعني ألا أنقده فلطالما نقدت حركة “حماس” و”الجبهة الشعبية” مع احترامي لنضال هذين الفصيلين وغيرهما مهما اختلفت معهما، ولم أكف عن نقد ما أراه بغيضا في حركة “فتح” ولي في ذلك أسلوبي والتزامي بمفاهيم النقد بصيغه الحركية الثلاثة (الهامس والصارخ والهدار) حيث أن الأولوية للنقد –خاصة متى ما ارتبطت بأسماء محددة- أن تكون بالإطار الداخلي.
في حركة فتح تخرج السياقات أحيانا عن احترام الأطر لأننا نحن من نهلهلها بفوضويتنا، فنتيح المجال لأي كان أن ينهش في لحمنا بل ونتساوق معه ونسير وراء الإشاعات غير مدركين للتعبئة الخطيرة التي نخلقها في استهلاك أنفسنا في الصراع الداخلي بمعناه السلبي (للصراع معنى ايجابي هام وضروري يؤدي للتغيير)، فتظل العيون لأبناء الحركة والحريصين عليها في أمتنا مسمرة على الشاشات فتتسرب لروحها حالات الوهن والانقباض والسوداوية وربما الانسحاب والانحسار والانشقاق.
إن أولى أولويات حركة “فتح” العظيمة برجالها وفكرها وفلسطينيتها وحضارية فكرها العقلاني المدني أن تقبل على البناء الداخلي بالفكر والتثقيف واحترام الأطر والجماهير ولغة الحوار والمحبة، وأن تقدم على التعبئة الداخلية السليمة التي تُعلي من الانتماء الأصيل لفلسطين وللحضارة الجميلة الرحبة التي نحن منها أي حضارة أمتنا العربية الاسلامية بجناحيها كمسلمين ومسيحيين والتي ترتفع بالقيم والاخلاق وحسن السلوك والمعاملة فوق كثير من الأضواء التي تخلب بعض الألباب المسلطة على أرباب الحكم والسلطة فيتنازعونها ويتقلبون بين أحضانها الوثيرة وكراسيها الرخوة، متناسين العدو الرئيس واولوية المجابهة التي لن تنتهي قريبا في أرض الرباط.
يقول الأخ نبيل عمرو أن حركة (فتح مليئة بالأخطاء والخطايا، ومليئة بالتقصير فيما لا يجوز التقصير فيه، وهذه أمور ربما تكون على الدوام هي مادة الحوار الداخلي فيها، ومصدر التذمر الدائم في مزاجها، فما نراه الآن من مظاهر لا تعجبنا في تفكير وسلوك هذه الحركة، ليس بالأمر الجديد عليها) ويقرر بلا مواربة أن كلمة السر فيها ما لا نختلف معه به تنبثق من الممنوعات الثلاثة حيث (الممنوع الأول… رهن القرار لغير الفلسطينيين. والممنوع الثاني … مغادرة الانتماء العربي . والممنوع الثالث.. الانعزال عن الحياة الدولية والتصادم معها.)
الى ذلك يقول الأخ د.سفيان أبوزايدة معلقا على أحداث مخيم الأمعري في رام الله حيث التصدي لعقد اجتماع لكادر من حركة فتح ((الحلول الأمنية والعسكرية لا تستطيع ان تحافظ على نظام و لا على رئيس و لا على سلطة، لو كانت تستطيع لنجحت في الحفاظ على نظام زين الدين بن علي في تونس و معمر القذافي في ليبيا و لنجحت في الحفاظ على وحدة سوريا و غيرها من النماذج، هذا و نحن نتحدث عن دول حقيقية و أنظمة حقيقية و ليس عن سلطة محدودة الصلاحيات بحكم وجود الاحتلال. و الأمر الآخر هو ما علاقة الأجهزة الأمنية في خلافات تنظيمية؟ ما هي علاقة حرس الرئيس الخاص و الأمن الوقائي و المخابرات والاستخبارات و الشرطة المدنية و الأمن الوطني و الدفاع المدني في اجتماع تنظيمي لكوادر من فتح يناقشون مستقبل حركة فتح و يعبرون عن مواقفهم في قضايا تنظيمية؟))
وأتفق مع الأخ سفيان بضرورة رفض الاستخدام السلطوي أو استخدام القوة مهما كانت في الخلافات الداخلية لأي فصيل قطعا، ولكن بالمقابل فإنني أطالب من أي أخ، أو مجموعة رسمية ضمن إطارها في داخل حركة فتح ألا تحركها أعلام بعض الدول العربية فتتستر بها ويشتد ساعدها بها حتى لو بدا هذا الساعد وكأنه غير مفتول العضلات فحركة فتح لا تقبل أن ترهن قرارها للخارج لذا تتصدى يوميا للإسرائيلي بخشونة النزال على الأرض، و بنعومة الدبلوماسية الشجاعة التي تعزل الكيان وتجلب له الجنون، ولذلك لا تقبل لأي استقواء منها عليها او من خارجها عليها أكان عربيا او اقليميا .
كنا قد كتبنا مقالا عن مؤتمر(عين السخنة) لم نغفل فيه حق أي مركز أو مؤسسة الحديث بالقضية الفلسطينية ما هو فخر وقوة لنا، ولكننا أنكرنا على أبناء الحركة أن يستغلوا أي غطاء في مواجهة الفكرة أو الهدف الجامع أو الأطر المركزية نعم الأطر المركزية ، لأن الاستقواء على الحركة بغيرها مرفوض ما أظن أن كل الفتحويين يتفقون عليه ويعلمون خطورته.
يقول الأخ زكي السكني (رسالة مني إلى الرئيس مباشرة: أنت الكبير، ومثل ما يقول المثل: الكبير يحمل الصغير، ويجب على الكبير ان يستوعب الصغير، هذا رجائي أنا وكل الأسرى وكل المعتقلين، انت يا فخامة الرئيس أنت الكبير لملم الموجود ان كان من فتح او من حماس ونحن معاك قلباً وقالباً.)
ويقول القيادي بالجهاد الاسلامي أحمد المدلل على قناة هنا القدس 26/10/2016: ( دائما نقول ان الكرة في ملعب الرئيس عباس فهو الذي يستطيع اليوم ان يجمع الكل الفلسطيني ) مضيفا أننا (نبقى ندق على الجدران ونطالب الرئيس محمود عباس بأننا يجب ان نقف امام الحقيقة.)
ونعرض ما قاله الأخ توفيق الطيراوي برسالته لكوادر الحركة الفتية دوما تحت عنوان: (فلسطين وطننا، والقدس عاصمتنا، و”فتح” حركتنا، و”حماس” خصمنا السياسي، و”إسرائيل” عدونا.. فأحكموا البوصلة) حيث يؤكد على ضرورة الانتباه الجماعي للخطر الرئيسي المحدق بشعبنا، وأرضنا وقضيتنا، من قبل النقيض الاحتلالي، ويؤكد في هذا النداء الهام، بأن أبناء حركة فتح، وكوادرها ومناضليها، تظل مسؤولة من قبل قيادتها، وأطرها التنظيمية والشعبية، برغم التباينات، علينا في القيادة رعايتها واحتضانها، وتقويمها حين يلزم التقويم، وليس صحيحاً أبداً بأن حل إشكالية التباين أو الاختلاف يتأتى بالتخلي عنها، وتركها لكل المتربصين بها، وعلى رأسهم الاحتلال الذي يقوم بتغذية الفرقة والعداء والاستعداء بين أبناء الحركة.
يقول د.جمال محيسن (أن فتح تشكل دوما صمام أمان للمشروع الوطني الفلسطيني، وأنها موحدة، وستبقى كذلك، أمام كل المؤامرات التي تستهدف آمال وتطلعات شعبنا، في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني.)
نعم ستكون حركتنا حركة فتح قوية وموحدة وضد المتربصين، وترفض الاستقواء لأن الاستقواء على الحركة من الخارج قد خاب في كل مراحلها التاريخية ولم ينجح أي منها مطلقا، وكذلك الأمر هو ذاته ما سيحصل مع أي إستقواء يحصل أو سيحصل في قادم الأيام لأن الحركة التي تنسمت رحيق الحرية والفكر المستنير ونبع العقلانيةـ وحددت أن عدوها الرئيس هو الاحتلال وأن هدفها الأكبر تحرير فلسطين لن تخور ولن يخبو ألق نجمها أبدا.
نعم قد يكون الاستقواء من القيادة التنظيمية لأي فصيل بما فيها حركتنا بسوء استخدام الحق أو بسوء تطبيق النظام أو عدم تطبيقه أو بالإهمال المتعمد، أو النبذ أو التكتيل الانتخابي، ونعم قد تستغل أي قيادة حجم نفوذها لتتلاعب بالنظم والقوانين ما نراه في أحزاب وفصائل عدة وما يحتاج منا في النضال الداخلي أن يظل داخليا في ظل معركة كبرى هي حقيقة النضال ضد خطر الاحتلال، وفي ظل أن الاستقواء الداخلي القيادي -إن وجد- يجب أن يجابه ضمن زرع ومحصول الثقافة الحركية التي تنتمي للأمة والوطن لا للأشخاص أي كانوا أبدا.
View on Path