فكر الأرض و(العبور الأخضر) كما يكتب بكر أبوبكر

كنت منذ أيام بصحبة الطبيعة في أحد مناطق فلسطين الجميلة وما أكثرها ، حيث دعانا عدد من الأخوة الكرام يتقدمهم خالد فلنه من مبدعي حركة الشبيبة الطلابية الى منطقة وادي الزرقا القريبة من دير نظام، وبيتللو (بيت اللؤلؤ) قريته الحالمة الوادعة أسيرة العشق ، وبرفقة الزميل عمر أبو شرار ، جُلنا في المنطقة التي اتحفتنا بهبات الله الجميلة من تين وليمون وعنب وخروب و شومر، وينابيع وزيتون وشمس مشرقة ونسمات تعيد اليك روحك المتناثرة، لم يغطي على هذا المنظر والأحاسيس ويفسدها إلا منظر المستوطنات التي تحاصر المكان وتدمره.
جمال الوادي وما يحف به من صخور وكهوف وأشجار ذكرني بمناطق أخرى في فلسطين، كنت وعدد من الأخوة قد زرناها بغية اكتساب المعلومة والثقافة الوطنية والاطلاع لى الموروث الشعبي وجذوره، اضافة للتعرف على بلادنا وخيراتها التي يغتصبها المحتل الأجنبي.
مشروع التجوال عبر الوطن كان يراودني منذ زمن، وقد تطور معي عبر السنين، فقد آنست اللجوء بأشواقي لمنطقة بيرزيت وجفنا وبرهام وجيبيا حول رام الله فترة سكني في بلدة بيرزيت الطافحة بالجمال، وخاصة فترة الانتفاضة الثانية.
وتطور منسوب الشوق لفلسطين بجبالها ووهادها وأحجارها وأشجارها مع تطور الفكر لدي، الذي يدمج بين البناء النظري والعملي من جهة وبين النخبوي والشعبي، ليضاف عليه فكر الأرض، فكر الطبيعة، أو وشوشاتها وتأملاتها التي أضافت في روحي ونفسي الكثير من الهدوء والمحبة والإيمان.
المشروع وإن كانت بدايته في بيرزيت إلا انني سطرته تحت عنوان (عبور أخضر) في إطار لجنة التدريب في حركة فتح ثم المعهد الوطني لتدريب الكوادر ، وحالفني الحظ أن أطبقه، وإن بعد فترة لاحقة كانت بدايته – أي التجوال والاستفادة في أرجاء الوطن- قد أنطلقت مع حرصي على الصلاة كل يوم جمعة في قرية مختلفة ومسجد مختلف ما حفزني إضافة للصلاة والتعبد للدخول في حالة من التأمل والحب والانسياح، ومزيد من التفكير ثم الارتباط بأحضان الطبيعة.
تلقيت دعوات عديدة عبر السنوات بالوطن من أخوة أحبة كُثر، لزيارات ودعوات للتمتع بالطبيعة الخلابة، حيث رفضت غالبها لانشغالاتي في العمل السياسي والتدريبي ما كان خطأ لا يغتفر إذ لا تناقض أبدا.
إلا أنني مع تدارك الأمر، استجبت لزيارات منظّمة في الخليل، وترقوميا الجميلة تحت رعاية الشاعر الكبير ربحي محمود، وسعير وإذنا وحلحول، وفي بتير وحوسان من قرى بيت لحم وفي هندازة بريضعة وتقوع من أراضي التعامرة ، وفي زيارات لتِل وسبسطية في نابلس، وفي القدس، وأيضا لقرى رمانة ويعبد وزبوبة وعرابة في جنين، وتلك الزيارة الجميلة مؤخرا لقرية بديا بصحبة اللواء قدري أبوبكر والأخوة جميل لدادوة وعبدالفتاح نور واللواء نمر أبوخليل وبركة التكروري ، حيث وجدت حقيقة المتعة التي وضعها الخالق سبحانه وتعالي في آياته وخلقه وابداعاته على كافة تنوعاته، وفي أعماق النفس الانسانية.
لاحظ أحد المنتكسين على الشابكة بضعة صور التقطتها للطبيعة الساحرة في فلسطين فاشمأز منها رافعا لواء الرفض، مفترضا أن التركيز على الواقع السياسي ينهى عن الدخول في حضرة الطبيعة؟! بينما في المقابل راسلني أحد الأصدقاء الأجانب منبهرا في جمال هذا البلد عندما رأى الصور التي نشرتها على تطبيق (بن انترست) العالمي، فتعجبت من ذاك الكاره لأرضه، والمفترِض أن شؤون الناس بمنأى عن الحيوانات والأشجار والحجر، وذاك في البعيد الذي وجد في فلسطين تماهيا بين الفلسطينيين والأرض كما قال لي.
إن مشروع (عبور أخضر) الذي يحاكي الطبيعة والأرض ومَن (وما) عليها مشروع ناهض، من المهم أن نشجع عليه كافة كوادرنا وأبنائنا للانخراط فيه، حيث في المدى فسحة، وفي النفس لظى شوق، وفي الإمكان القيام بمثل هذا العمل البديع دوما فهو لا يتعارض مع النضال والمقاومة مطلقا، بل هو جزء أصيل يتماهى ويتناسق ويتعانق معها.
وهذا (العبور الأخضر) واجب أيضا، لأن المعرفة والعلم مربوطة بالتأمل والتفكر، ومجلبة للإيمان العميق واليقين. هذا اليقين بأن لله الحكمة كل الحكمة في خلقه وتنوعه وتعدده من جهة ، والثقة واليقين أن هذه الأرض لم تعرف غير سكانها ومواطنيها من العرب الفلسطينيين منذ الأزل ، وأن جميع الأقدام الثقيلة التي وطأتها… زالت.