أمريكا وأخلاق (النظام) في حركة فتح
بكر أبو بكر
في آليات العمل والحِراك الدائر لعقد المؤتمر العام السابع لحركة فتح يفكر البعض باستنفار وتحريض أو تحشيد الأطر الدنيا للمطالبة بعقد المؤتمر العام السابع للحركة لا سيما وأن الزمن قد تجاوز موعده النظامي وهذا حق، بل وقد يذهب البعض في الأطر العليا للقول أن مبررات الحِراك والضغط ضرورة ميدانيا أو إعلاميا، ما لا أراه يصب في خدمة الديمقراطية الحركية ولا مفهوم النقد الداخلي، بل إنه يدخل في باب اللانضباط ما دام متجاوزا للنظام الداخلي.
إن النظام الداخلي لحركة فتح ذو طابع مركزي يعطي النفوذ للأطر العليا بل ويمنحها القدرة على تحديد موعد المؤتمر-رغم ان حقيقة عقده مرتبطة بالزمن حكما- بما هو إضعاف لدور كتلة الكوادر ما يحتاج منا لتفكير نظامي من الآن يزيد من سًعرات الديمقراطية على حساب المركزية في تغييرات “النظام الداخلي” في المؤتمر القادم.
إن الاستمرار بالحِراك الديمقراطي من كافة الأطر هو تثبيت لقيم وأخلاق النظام الداخلي لحركة فتح ، ما لا ينفي ضرورة معرفة الكوادر لمراكز التأثير والنفوذ والتعاطي معها بالحركة لتحقيق التغيير الجزئي كمقدمة لاعتبار الالتزام بالنظام والبرنامج السياسي هو الشرعية التنظيمية أو القانون الذي لا مفر من التعبئة لاحترامه ليتحول مستقبلا لقيم وأخلاق وسلوك من الجميع فتسقط فكرة استبداد القيادة بالنظام والقرار.
من الصعب أن يقرّ الكادر الفتحاوي بأن المسؤولية السياسية والتنظيمية العامة يتحملها شخص واحد في القيادة لأن الفهم السليم هو أن المسؤولية جماعية رغم أن كل شخص مسؤول عن عمله أو ملفه قطعا، ولكن في الإطار الجامع.
من هنا لا نجوّز الحجج التي يسوقها البعض من الأخوة بالقيادة بأن مفاتيح الأمور كلها بيد واحد فقط يشير له الغالبية مفترضين أن الكادر سيعفيهم من المسؤولية محاولين التحلل من مسؤوليتهم وإلقاء اللوم والتبعة عليه، فيطالبون الحِراك أي حِراك بتقصير المسافة والذهاب لصاحب المفاتيح فقط فيزيدون مختارين من سلطته وسطوته، وهم بذلك يتعاملون وكأن الأطر ذابلة والأعضاء والكوادر مجرد أدوات والنظام زهرة تشم ثم تموت.
رغم كل ذلك فإن أي حٍراك يتخطى أسوار البيت هو حٍراك لا تُحمد عقباه مهما كانت مبرراته، ولكي نفهم معنى الالتزام وقيمته في نموذج قريب زمنيا وبعيد جغرافيا وربما فكريا فإن المرشح “بيرني ساندرز” (تقدمي يهودي امريكي) للرئاسة الامركية ضمن الحزب الديمقراطي رغم صراعه وكثير اعتراضاته على المرشحة “هيلاري كلنتون” ، بعد قرار الحزب أنه معها، أعلن بكل قوة ووضوح دعمه للمرشحة حيث قال:”كلينتون ستكون رئيسة عظيمة وأنا فخور بها”،ودعى كافة أنصاره لانتخابها.
إن الحراك أي حِراك داخلي مرتبط بالموقف والفكرة المتغيرة هام جدا نعم، ولكن ديمومة الالتفاف على الموقف أو الفكرة حتى لو نُفذت أو تم التوصل لحل وسط فيها قد يحوّل الحراك إلى تكتل أو محور أو تجمع مرتبط بشخص أوأشخاص ما هو خطير جدا.
في حركة فتح اليوم يتقابل نفوذ رئيس الحركة في مواجهة اللجنة المركزية ، ولا شك أن للمجلس الثوري والمجلس الاستشاري ثقلا من المتوجب استثماره ديمقراطيا، كما يتم استثمار فاعلية مكتب التعبئة والتنظيم ولجان الاقاليم في آليات التأثير والضغط والدفع الديمقراطي الداخلي.
من المهم أن يكون هناك حراك انتصارا للديمقراطية الداخلية في أي تنظيم ومنه في حركة الشعب الفلسطيني حركة فتح، وانتصارا للنظام نعم، ومن المهم أن يستنهض أبناء الحركة أنفسهم للدفع باتجاه هذه القيم والمباديء النظامية.
هذه مبادؤنا وقيمنا النظامية، وإن تجاوز القيم النظامية من القيادة المركزية بشكل متكرر أو حين أهمال الكادر صاحب الحِراك أو حين عدم الاستجابة له أو حين عدم التواصل بالحوار والتفاهم -وهو التفاهم الذي توجبه القيم الحركية والنظام- فإن كل ذلك قد يمهد أما لحالة إنعزال وانفضاض قد تصل للبعض بالتخريب، أو قد تؤدي لنشوء تكتلات لن يكون فعلها الا الإنهاك والتفتيت للحركة، وهذا مؤشر خطير.
إن فكر الالتزام بالمباديء الديمقراطية والقيم الحركية النظامية يكون بتطبيقها على ذاتي أولا فأنا القدوة، وداخل الأطر كافة و من الأطر كافة، ولكنه حين النكوص عنها قد يكون ذلك عبر الحِراكات الديمقراطية الداخلية النظامية ، هذا الفكر وهذا التطبيق وهذا الحِراك يصبح مع الإيمان الراسخ بمصلحة الوطن والتنظيم أولا، وبالضغط والتأثير المستمر- وان أخذ ذلك زمنا طويلا- فِعلا وسلوكا متبعا لن يستطيع أي كان بعد ذلك تجاوزه.
View on Path