أين “حماس” من هبّة القدس؟ كما يكتب بكر أبوبكر
http://zamnpress.com/content/86895
بعد عرضنا في المقال السابق لدور حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح نقول إن النظر لدور تنظيم “حماس” في هبة القدس الغاضبة يحتاج لقراءة في خطاب ومواقف قياداتها وفعلها على الأرض لنرى أين تتموضع في حقيقة الأمر، واذا نظرنا لدور “حماس” في #غضبة_ القدس نرى أن خطابها وفعلها قد تنقل بين مراحل ثلاثة هي (ودعنا نحدد الاستخدام السيء والمشبوه للخطاب فقط من التيار السلطاني العبثي المناهض للمصالحة):
بدأنا المسيرة مع خطاب النبذ والاقصاء للآخر المبني على الشتم والتشويه و التخوين و الاتهام العقدي-السياسي و الذي استمر منذ الانقلاب على غزة عام 2007 حتى شهر مضى، إذ غرقت فضائيات هؤلاء وكثير من مواقعهم بسيل غير منقطع من الاتهامات والبذاءات والمكائد الاعلامية والتحريضات المجانية في تساوق مع تحريضات اليمين الاسرائيلي، وهي التي لم تنتهي، وكأن مثل هذه الحرب البذيئة تجر للمصالحة أو تفصّل ثوبا وطنيا أو تعطي صورة مفرحة عن فلسطين، وهي في الحقيقة تطعن في الكل الوطني ما لم ينتبه له إلا القلة فقط من تيار هذا الصوت العالي والمتعالي.
وفي المرحلة الثانية برز خطاب الفصل أي أننا “منهجين ومسارين كالخطين المتوازيين لا يلتقيان” وهو خطاب المسلمين مقابل الكفار! وأهل البندقية مقابل أهل غصن الزيتون! وهو خطاب وممارسة على الأرض وضعت المسافة الشاسعة بعيدا عن حركة فتح وكأنها تمثل لهؤلاء جرثومة أو عاهة أو مرض يتجنبونه، وأدت لإنشاء توجهين مختلفين فكريا وجغرافيا يؤسس للقطيعة والانفصال النهائي، وتأبيد الانقلاب الذي أحدث الشرخ والانقسام، إنه ببساطة خطاب البُغض والكراهية المرتبط بعقلية الفسطاطين-المعسكرين، خطاب الحق المطلق الذي مازال يعشعش في عقول البعض.
ثم جاءنا على محفّة الأموات وفي “تابوت العهد” خطاب الخداع والإيهام والتلاعب من البعض (مع اقرارنا بحسن نوايا الكثيرين) والذي مارس أي هذا التيار السلطاني العبثي التوجهات التالية:
1- استبدال الرموز العامة تمويها على الحقيقة الكئيبة على الأرض، من مثل استخدام الحطّة (حطة ثوار العام 1936 ثم حطة فلسطين لاحقا وياسر عرفات) و العلم رباعي الألوان علم فلسطين، وهما ما كانتا من رموز المهانة والخيانة عند أصحاب هذا التيار قبل أيام في عملية جديدة هي مسمومة ايهامية بأن هناك تغيير قد حدث، بينما الأرض مازالت ضد من يلبسون الحطّة ويرفعون علم فلسطين، ومازالت هذه الفئة العبثية المخرّصة تمسك بالسلطة بيديها وأسنانها، أنصدق القنوات أم الأرض؟
2- وتسابق أمثال هؤلاء لإطلاق الإسم أي (انتفاضة) على الهبة الجماهيرية الغاضبة (والاسم مهما كان لا يعني لديهم إلا التمايز فقط بينما الحدث هو جزء من استمرار المقاومة الفلسطينية)، وكأن الاسم يمثل تعويضا عن المشاركة الميدانية الفعلية سواء في غزة أو الضفة، مع ما يعني ذلك من وجوب الانصياع لأوامر الوحدة الوطنية ومستلزماتها الباهظة على معسكر السلطان=السلطة، وكأن الفم الملآن بالدعاء يُغني عن القطران.
3- برزت الدعوات الصادحة بالحث على العسكرة والتهلكة في الضفة من فلسطين، و النأي عن اطلاق ولو رصاصة واحدة من غزة، وكأننا نعيش في جزيرتين منعزلتين أو قارتين مختلفتين (نحن مع تجنيب غزة حرب جديدة قطعا، وضد إلقاء الضفة في التهلكة أيضا).
4- المراوحة ما بين اتهام السلطة الوطنية الفلسطينية وحركة فتح كما درج الخطاب الأعمى من سنوات، وما بين الفصل بينهما في محاولة ايهامية للاستقطاب أو الخداع، أو في الدعوات المحمومة لدفع قوات الأمن الفلسطيني للعسكرة ومواجهة المحتل بالبنادق، مقابل تسليمهم مفاتيح الجنة والعفو عنهم (قيلت جهرا وبفظاظة!)، بدفعهم لمعركة غير متكافئة ومحسومة سلفا، وكأن الدماء العزيزة والغزيرة التي سالت في حروب غزة الثلاثة يجب أن يسيل مثلها وبلا ثمن في الضفة أيضا؟ وكأن لسان حالهم يقول: ولم لا! ألسنا في جزيرتين مختلفتين كليا، فليذهبوا الى الجحيم.
5- ناهيك عن التحريض لكوادر حركة فتح على مَن ؟ أعلى العدو المشترك وعلى التناقض الرئيس (مفروض أنهم يعتبرونه العدو الرئيس لا الثانوي) بل ضد قيادة الحركة، وتصوير الأمر في الوعي كأن هناك انفصال واقع بين القيادة “المستسلمة”، والميدان الفتحوي الملتهب (كان هؤلاء الفتحوين منذ أيام خلت يُنعتون من قبل التيار العبثي السلطاني في غزة بأبشع النعوت) .
6- امتلأ الخطاب مؤخرا بمحطات التساؤل السلبي عن دور ووجود حركة فتح في الغضبة؟ أو الانتفاضة والدعوة لها للانخراط بها؟ بإشارة لا تخفى على أحد تعني أنها غير موجودة! رغم أنها أحد اكبر صُناعها على الأقل في شبابها الأبطال ميدانيا من خلال القيادات الثابتة، ومن خلال البيئة الثورية المساندة وعبر الخطاب المقاوم من قيادة حركة فتح السياسية وعلى رأسها أبومازن، ورغم استمرار المقاومة الشعبية السلمية منذ سنوات وتحت أنظار السلطة الوطنية ورعايتها، وصولا للغضبة.
7- الخطاب العرمرمي الذي يخطب ودّ الجمهور الفلسطيني فاسد الطوية، لأنه يحاكي الهواء لا التراب، فما المعنى إن لم يقدم سلاحا أو عونا ميدانيا في الضفة وغزة، وما المعنى كواقع مادي أن يمنع -سنويا وهذا العام أيضا- ظهور ذكر أو شبح أو إقامة مهرجان بذكرى قائد الثورة والمقاومة ورمز فلسطين وكل الفلسطينيين والأحرار بالعالم ياسر عرفات في ظل سلطة “حماس” بغزة؟
8- التنقل مؤخر أيضا ما بين (شعبية ) وسلمية الانتفاضة ما كان شكل الخطاب أو في محاولة لتضمينه دون وضوح الى التهديد بعسكرتها عبر رفع اسم الكتائب (س) او كتائب (ص) في المقدمة دون اي فعل حقيقي.
إن دور التيار السلطوي العبثي في حركة “حماس” أو غيرها في هذه الانتفاضة او الغضبة تتنازعه المعسكرات في داخلها كما المحاور الاقليمية التي تجذبه بعيدا في اتجاهات غير وطنية تجعل يديها لا تتلطخ ب”وسخ” الانتفاضة عمليا لأنها إن فعلت ستعصف بها في غزة لا محالة، وهي تهب على الناس برياح الدعوات للإذكاء اعلاميا لأنها تريد المغانم ولا تريد المغارم، فثبات الحكم الأبدي للتيار السلطوي العبثي في غزة يمثل حقيقة رفض المصالحة بإباء، وما يتمثل واقعا بدعمها أي عمل يمهد للانقضاض على “سلطة رام الله” وكأنها مكسب عظيم! ولا يضر بمصالحها في غزة، وكأنها مكسب عظيم أيضا! أكان ذلك تحت عنوان “الشراكة” بمعنى أن ما اكتسبته بالانقلاب هو لي وأريد أن أقاسمك الباقي! وبمعنى أنني متموضع في مكاني النائي عنك في انتظار للمهدي المنتظر وقيام الخلافة العظمى فلا يهمني العقبات في الطريق ولا يهمني قيام الدولة الفلسطينية ام لا، فأنا على الحق الأبدي مهما طال الزمن.
View on Path