غير مصنف

فلسطين، عبر طهران أم اسطنبول ؟

بكر ابو بكر

​تتعرض منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف) هذه الأيام لمجموعة كبيرة من الانتقادات والاتهامات المتكررة، ويتخذ البعض من مثل هذه الاتهامات مبررا للتجاوز والطعن أو التخلص من مؤسسة قامت وتكرست وقاومت كل عوامل التعرية والطمس والتدمير للقضية الفلسطينية وللكيانية وللتمثيل الذي عُمّد بالدم والتضحيات الجسام، لاسيما أن مثل الاتهامات الموجهة للمنظمة -شخوصا وأطرا- لها من الوجاهة ما نتفق مع الكثير منه، وإن اختلفنا في الأهداف واسلوب التعاطي مع المسألة.

​تعاني منظمة التحرير الفلسطينية من قصور فظيع في الأدوار خاصة حيث مضى أكثر من عشرين عاما على انعقاد آخر مؤتمر للمجلس الوطني الفلسطيني ، كما تعاني المنظمة من تكلس في قيادات المنظمة وترهل حقيقي، إلى ذلك نلحظ استكانة وتهاون ورغبة في الابقاء على الوضع الراهن من كثير من التنظيمات الفلسطينية التي فقدت عمليا مقعدها في إطار المنظمة، عدا عن أن السلطة الوطنية الفلسطينية ومنذ انشأنها عام 1994 قد أخذت الكثير من دور وألق وأهمية المنظمة إلى الحد الذي أصبحت فيه وكأنها دائرة من دوائر وزارة ما في إطار (سلطة الحكم الذاتي المحدود).

​القصور والتكلس والترهل في كيان وطني جامع لا يعني أبدا أن تكون سببا لتحطيمه أو صنع بديل له، وهي أي المنظمة لم تصبح ممثلا شرعيا وحيدا معترف به في العالم العربي وفي العالم إلا نتيجة عديد الحروب التي خيضت ضد الاسرائيلي الذي لم يرى فلسطين أو الفلسطينيين أبدا، فجاءت المنظمة كشوكة في عينه، وضد العربي والإقليمي الذي تحالف وخطط لاغتصاب القضية أو طمس هوية الشعب أو القبض على القرار الفلسطيني يطوح به كما يشاء.

​إن التعامل مع المنظمة كجثة يجب دفنها أو كمريض لا يشفى برؤه هي سياسة تتفق حكما مع أهداف خارجية تتعلق بالمحاور، وهي سياسة تسعى (لوراثة) المنظمة وتغيير مضمونها الجبهوي الوحدوي الديمقراطي الجامع، وقد تكون من الأهداف أن يكون في ذلك غطاء لتمرير مشروع دويلة غزة والانفصال الكامل عن فلسطين ، ومما لا شك فيه أن محور التفتيت في الأمة العربية العامل في جسدها شرقا وغربا لا يرى بأسا في هذا الأمر ما دامت هي تتحصل على حصة من الجسد بعد اقامة بيت العزاء.

​لم يكن أحمد أسعد الشقيري رجلا عاديا عندما افتك المنظمة اثر قرار واهٍ من الجامعة العربية بإيجاد (كيان) للفلسطينيين، لم يكن يهمهم أن يكون نخبة أو هيئة عاجزة فحول الشقيري هذا التوجه إلى مؤسسة سرعان ما كان لياسر عرفات أن جعلها رمزا وبيتا للشعب الذي أريد له ألا يكون.

​إن المنظمة على تكاثر العلل فيها ، وتكاثر السكاكين في جسدها ولسبب أهمال (أصحابها) أنفسهم العلاج تحتاج منا جميعها كثير من العناية، فالوضع قد اتخذ منحى الطمس النهائي لكل المنجزات التي يجب أن نتوقف عندها طويلا.

مؤتمر دمشق عام 2008

إن اطلالة سريعة على حجم الاستقتال لوراثة منظمة التحرير الفلسطينية – رغم ما اصابها من علل كثيرة اليوم – ممكن النظر له في مسرح الأحداث منذ انشائها، حين قوتها وحين ضعفها.

ولكننا لن نبتعد كثيرا وسنرسم الصورة منذ مؤتمر دمشق في شهر يناير من العام 2008 اذ قامت ما كانت تسمى (الفصائل العشرة) المقيمة في دمشق ومنها فصيلي حماس والجهاد، المناهضة للمنظمة بعقد مؤتمر فلسطيني تحت رعاية نظام بشار الأسد كاملا وهو المؤتمر الذي دعت له (حماس) و رئسه طلال ناجي من جماعة أحمد جبريل (القيادة لعامة) والغرض الواضح حينها من المؤتمر الذي لم يعرف حضوره بوضوح، ولم يتضمن أي نقاشات وضج بالخطابات والهتاف للرئيس الأسد كان اسدال الستار على منظمة التحرير الفلسطينية، لاسيما وتلاقي أهداف النظام الذي حلم لأربعين عاما بالسيطرة على الورقة الفلسطينية مع أهداف (حماس) التي كانت قد أفتكت غزة بالدم إثر الانقلاب الأسود في 14/6/2007 .

حضر المؤتمر ذات الوجوه التي شاركت في انقلاب وانشقاق عام 1983 على الشرعية الفلسطينية وفي هذا المؤتمر تجرأ احمد جبريل ليشتم الخالد ياسر عرفات ولم يكن قد مر على استشهاده إلا القليل وكأنة مازال يقصفة بالمدفعية السورية عندما حاصره جبريل بالدبابات السورية في طرابلس عام 1983.

​إن المؤتمر الذي حاول تكريس سلطة “حماس” في غزة، وشكل منصة لاغتصاب القرار لصالح النظام السوري الذي كان حينها يهيمن على الورقة اللبنانية عبر حزب الله كان مؤتمرا مآله الفشل الذريع ، ويذكر ايجابيا بهذا الصدد الرفض المطلق للمؤتمر (الخطابي) ذاك ومخرجاته من قبل حزب الشعب والجبهة الديمقراطية حيث وقف نايف حواتمة رأس حربة صلب ضد المؤتمر.

لهو سلطوي ، واجتماع بيروت

​رغم أن هذا المؤتمر عام 2008 وما سبقه ولحقه من تحركات، شكل ناقوس خطر كان يجب أن يؤخذ بالاعتبار، إلا أن هياكل المنظمة المتآكلة وقيادتها ظلت لاهية أو منشغلة باليومي من الأحداث الجسام وعلى رأسها الانقلاب والعدوان الصهيوني والحراك الدولي، ولم تحرك ساكنا تجاه المنظمة فتكاثرت السكاكين وازدادت المؤتمرات والمخططات من حول الجسد المنهك.

لاسيما والمنطقة العربية كلها قد دخلت في النفق المظلم وغابت القضية داخل النفق، وكأن الأوان قد أتى لكثير من القوى أن تبقى هذا (الكيان) الفلسطيني هناك متشحا بالسواد، فرأينا اليوم أي في العام 2017 صراعا على الوراثة والغد والمستقبل ما بعد (أبو مازن) من خلال تحركات عربية وإقليمية وإسرائيلية وإشارات امريكية، وكي لا نغرق في التحليل كثيرا نقول أن من لا يرى الصورة من كافة جوانبها حتما سيتوه، فالصراع على الجسد العليل ليس إلا واجهة لصراع أكبر في المنطقة خاصة والمحاور أصبحت جلية.

تقف الدولة الايرانية على رأس أحد المحاور بوضوح، وتقف تركيا (الإخوانية) على الرأس الثاني، وما بين الاطماع الايرانية بالتوسع والاخوانية بافتكاك دور بالمنطقة أصبحت القضية الفلسطينية واحدة من القضايا الذيلية لا يتم التعامل معها إلا وبغياب ممثلها الشرعي والرسمي والوحيد (على علله)، أو بغرض فرض ممثل جديد تابع لهذه الجهة أو تلك فجاءت حمى المؤتمرات عام 2017 ما بين مؤتمر في اسطنبول وآخر في طهران وثالث في القاهرة، كانت كلها تتقارب أو تتباعد ولكنها متفقة على البحث عن حلول وإجابات للسؤال الحائر ماذا بعد ؟ وما العمل.

​في اجتماع بيروت الذي ضم فصائل المنظمة لأول مرة منذ زمن بعيد وبحضور فصيلي (حماس) و(الجهاد) في 10-11/1/2017 حصل التوافق (وإن كان بالحقيقة شكليا) فاستبشرنا خيرا لاسيما وإن النقاش الذي ابتدأ عام 2008 يبتغي إيجاد منظمة بديلة رأيناه بالاجتماع قد حُسم، اذ تم الاتفاق على إن (م.ت.ف) هي الممثل الشرعي والوحيد .

​في اجتماع بيروت لم ترد (حماس) باعتقادنا تعطيله لوجود أصوات عقلانية عملية (براغماتية) فيها من جهة ، ولرغبة من الطرف الآخر بالحفاظ على كيانها في غزة ، ولم يظهر منا في حركة فتح سعى حثيث لتحويل المقررات الى واقع تغييري، وكأنها أي الحركة استفادت من الاجتماع بتعميق شرعيتها لاسيما بعد المؤتمر السابع للحركة، وفي إطار الحرب الدائرة ضد الاستيطان و(الدولة القومية اليهودية) وضد مخططات (نتنياهو) في ظل ادارة (ترامب)، وضد الانقلاب.

​وقع الاجتماع الناجح شكليا في معضلة جديدة وهي بجدية استمرار اللجنة المنبثقة لمتابعة المقررات، وفي جدلية هل المصالحة أولا أم بتغيير المنظمة؟ حيث رأت حركة فتح أن الاولية للمصالحة واستعادة الشرعية، ورأت حماس أن تقتنص الفرصة لأحداث التغيير في المنظمة أولا وابتلاع ما يمكنها منها لاسميا وهي ما زالت تمتلك ورقة غزة العزيزة والنتيجة اننا نراوح في ذات المربع.

مؤتمر طهران ومديح السلطة!

​في 15-16/2/2017 انعقد ما أسمي (المؤتمر الشبابي الأول) تحت رعاية تيار محمد دحلان عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الذي اتخذ قرار سابق بفصله من الحركة، وفي الفترة ما بين 21-22/2/2017 انعقد مؤتمر دعم الانتفاضة في طهران ثم اعقبه في اسطنبول في 25-26/2/2017 (المؤتمر الشعبي الفلسطيني) فهل بالتواريخ المتقاربة صدفة وهل للعواصم دلائل ؟ لنلقى نظرة على هذه المؤتمرات فلعل وعسى.

​في مؤتمر طهران ظهر بوضوح الدعم للمحور الايراني في مواجهة المحور العربي وتحديدا إيران ضد السعودية ، وفية باعتقادي تم تطويل المسافة إلى فلسطين بدلا من تقصيرها عبر الشعارات الفضفاضة الكبيرة (هي ذاتها -أي الشعارات البراقة بلا مضمون فعل- التي دعت حركة فتح للانطلاقة عام 1965) وبرزت عمليات الاستغلال لقضية فلسطين كمبرر للتمدد والتوسع الايراني والهيمنة على جسد الأمة العربية، تحت دعاوى مواجهة (تيار الاستسلام) وهي ذات الاسطوانة التي كان يستخدمها نظام الأسد الذي حطم القضية الفلسطينية ثم أغرق سوريا حديثا في الوحل والدمار.

في المؤتمر الذي احتفى بتركة الإمام الخميني، وأغفل ذكر منظمات المقاومة الفلسطينية، أو تاريخها المشرف او دورها، وخاصة حركة فتح والراحل أبوجهاد وأبوعمار في دعمهم للثورة الايرانية والإمام الخميني رحمة الله، تم ترسيم حزب الله الذي يقاتل في سوريا والعراق واليمن بعيدا عن جبهة المواجهة مع العدو ، تم ترسيمه زعيما لما يسمى (المقاومة).

​مؤتمر طهران مؤتمر حكومي بامتياز وقد حقق بلا جدال الدعم للمحور الايراني ولكن من الملاحظات العجيبة الغريبة في هذا المؤتمر هو المتناقضات!

ست نقاط مثيرة!

في حين أكد مؤتمر طهران على أن خيار المقاومة هو (خيار وحيد) وأن الانتفاضة هي (الطريق الوحيد) ودون تحديد لهيئة المقاومة أو الانتفاضة؟ فقد دعى لمجموعة من الحراكات السياسية والقانونية الخارجية لا نعرف كيف نضعها جنبا إلى جنب مع وحدانية سبيل المقاومة! إلا إن فُهمت هذه الوسائل أنها جزء لا يتجزأ من مفهوم المقاومة، أو في سياق فتح الباب مع المنظمة والسلطة!.

وفي جميع الأحوال فإن الاشادة بالعمل السياسي الخارجي، وكما ذُكر في البيان الختامي للمؤتمر يُسجل لصالح الرئيس أبو مازن ومنظمة التحرير الفلسطينية وقيادة الحركة والسلطة.

​مؤتمر طهران حينما (يحيي) ما رصدناه من 6 تحركات سياسية ودولية فهو في حقيقة الأمر يحيي الرئيس أبو مازن والسلطة فهل يقصد ذلك أم لا؟

​حيي المؤتمر قرار اليونسكو المتعلق بالأقصى والقدس وهو من جهد الدبلوماسية الفلسطينية بلا منازع ، كما طالب بمحاكمة (اسرائيل) وإجرامها دوليا وهو ما ابتدأت بفعله السلطة الفلسطينية، والمؤتمر طالب – كما فعل المجلس الوطني الفلسطيني – بتحرك البرلمانات العربية والدولية لصالح فلسطين، وعبّر المؤتمر عن رفضه لنقل السفارة الامريكية للقدس دون أن يشير إلى أن وجودها في تل أبيب لا يفرق كثيرا أن اعتبرت فلسطين هي كل فلسطين حسب الخطاب الحاضر بالمؤتمر، وهو ذات موقف وحراك الدبلومسية الفلسطينية على الساحة الامريكية والذي أثر في تأجيل نقلها حتى اليوم!

وطالب المؤتمر اثارة قضية المعتقلين دوليا، وهو ذات الأمر الذي تعمل عليه ولا تطالب به فقط وزارة شؤون الاسرى الفلسطينية، وفي النقطة السادسة رحب المؤتمر بقرار الامم المتحدة المتعلق بإدانة الاستيطان! وهو قرار يُحسب شخصيا للرئيس ابو مازن والسلطة بامتياز.

المؤتمر الشبابي وصراع آخر

​في المؤتمر الشبابي في القاهرة، وإن كانت التوقيتات متقاربة بين المؤتمرات الثلاث! إلا أنه رغم بُعده العربي والإقليمي وما له من تبعات يأتي في إطار الصراع على حركة فتح أولا، من قبل (التيار الاصلاحي الديمقراطي) كما يسمى نفسه أي تيار محمد دحلان ، وهو في رسائله يخاطب الشرعية الفلسطينية عبر الشريحة الفلسطينية الاكبر أي الشباب الذين يشكلون أكثر من 60 % من شعبنا.

ورغم ترتيب البيت الفلسطيني عبر مؤتمر حركة فتح السابع في 29/11/2016 إلا أن الكثير ممن خرجوا أو اخرجوا من الحركة! مازالوا يسعون بقوة (للوراثة) والسيطرة على القرار الفتحوي كمقدمة للسيطرة على القرار الوطني الفلسطيني القادم .

​إن المؤتمر الشبابي قابل للتعامل معه في نطاقه باعتقادي، ويحتاج لجهد كثير مبذول في معادلة الصراع والوحدة ، ومعادلة حدود المعارضة ومعنى اشتداد السواعد باتجاه العدو فقط. مما يلقي علينا عبء تحسين العلاقات مع بعض الدول العربية التي تتخذ توجها ابتعاديا عن قيادة المنظمة والسلطة.

مؤتمر اسطنبول وتقابل الوطنية الطاغية مع المخططات

​في مؤتمر اسطنبول برزت قامات محترمة مشهود لها بالنضال في الاطار الفلسطيني وقد لا تشوب مثل هذه القامات أي شائبة وان اختلفنا معها بالموقف أو الرأي، لكن هذا لا ينفي أن وراء النوايا الحسنة الكثير ممن يوقدون نيران الحقد ونيران التفتيت والاستغلال سواء للمؤتمر أو للمؤتمرين الذين لا يحق لأحد أن يشكك فيهم أبدا.

​إن مؤتمر اسطنبول الذي أثبت نجاحا بكثافة الحضور في جلسة الافتتاح من 6000 حسب قناة الجزيرة القطرية فقط الى 4000 الى 3000 مشارك حسب المواقع المختلفة، ويحسب له ايجابا لصالح المنظمين بلا شك ، ورغم ضعف الحضور في الجلسات اللاحقة ما بين 150 – 200 يظل المؤتمر منصة استطاعت جذب الكثيرين من فلسطينيي الشتات الذي أحسوا بالتهميش وربما الاقصاء أيضا وكأنهم نكرة، لاسيما في ظل تحول جولات المصالحة الفلسطينية إلى رحلات سياحية، وفي ظل افتقاد منظمة التحرير الفلسطينية لعزم الحركة لديها حيت داخت وشاخت وتكلست.

​أن جهنم كما يقولون معبدة بالكثير من ذوي النوايا الطيبة أو الحسنة، هكذا هو الأمر في مؤتمر اسطنبول باعتقادنا، فإن كان التيار الغالب وطني مهم، فهذا لا يمكن أن يغطي على أصحاب المصالح السياسية من وراء عقد المؤتمر وهو المؤتمر الذي بلا شك استغلته كما ساهمت في اطلاقه عدد من القوى السياسية الاقليمية والفلسطينية، فلا يمكن أن يكون ببعيد عن المحور (التركي – القطري-الاخواني) وليس ببعيد عن الرؤية الاخوانية التي تسعد بتجلي تيار يحارب الذين يخنقونها في الأمة العربية كما تعتقد.

في جميع الاحوال فإن حركة حماس التي تهدف لوارثة منظمة التحرير الفلسطينية بكل وضوح ، وتحويلها من (علمانية كافرة) إلى (إسلامية خالصة) كما يسعى متطرفوها على الأقل، وبحسب مصطلحاتهم تحديدا، بلا شك إنها كانت المستفيد الأكبر، ففشل مؤتمر دمشق الانشقاقي عام 2008 ثم زوال شمس الأسد قد فرض عليها تحالفا جديدا تعاملت معه بحذر أكبر، وحاولت أن تتوارى وراء الصورة كما فعلت في اسطنبول رغم وضوح صداها في المدينة.

التيار الوطني في اسطنبول

​إن التيار الوطني في مؤتمر اسطنبول الذي يسعى لتحويل منصتة لأداة للتمثيل في أطر المنظمة هو بالحقيقة تيار قابل للحوار معه، بل يجب أن يتم ذلك سريعا وبلا مواربة، لاسيما وأن قامات وازنة مثل سلمان أبو ستة ومنير شفيق هي قامات لطالما كان لها رأي معارض يجب أن يحترم ويتم التحاور معها.

​ في مؤتمر اسطنبول بحث واضح عن دور للخارج، في معادلة الداخل التي طغت، لاسيما والشعور بالاغتراب والابتعاد أو الابعاد المقصود، وأن كان المؤتمر حصيلة حراك لأشخاص واضحين فقد خالطهم بلا شك حراك الاخوان المسلمين وحماس في أوربا.

​إن البيان الختامي للمؤتمر في اسطنبول لم يُشر مطلقا للنضال الفلسطيني وانطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965 فكانت نسيا منسيا، وكأن سنوات الجهد والدم والنار والجهاد والنضال بقيادة الخالد ياسر عرفات لم تكن ، كما لم يشر لمخططات اغتصاب الضفة كليا أو انشاء امارة (دويلة) غزة وتعميق الانفصال الفلسطيني !

وفي سياق استخدام المؤتمر للشعارات الكبيرة المعهودة -التي لا نختلف معها مطلقا تعبويا وتاريخيا وفي حقيقة الرواية التي يجب أن تكون للاجيال- كانت شعارات للأسف لكنها لا تطعم جائعا ولا تروي ظمِئا في عالم السياسية (المصالح) اليوم، فإنه على عكس مؤتمر طهران لدعم الانتفاضة لم يأتي مؤتمر اسطنبول على ذكر الحراك الدولي والسياسي والقانوني؟! على عكس مقارنتنا في مؤتمر طهران، وإن أشار للحراكات المدنية.

إن المؤتمر الذي سعى لدولة على كل فلسطين، لا يمتلك من اسطنبول الرسمية أي إشارة على الدعم، لاسيما وإن الدولة التركية التي تصالحت مؤخرا مع (اسرائيل) كان قد زاد معدل تجارتها مع الاسرائيلي ابان القطيعة لسبب الاعتداء الصهيوني على سفينة مرمرة اربع مرات ، وهي ذات الدولة التي تمتد أصابعها للعبث في جسد الأمة، في حرب المحاور الاقليمية المستعرة ، وهي ذات الدولة/الحزب التي تتبع معنا ومع الاسرائيليين أسلوب (أشبعتهم شتما وفازوا بالإبل) .

إن المؤتمر الذي نعتز بكثير من حضوره، ولا نشكك بهم أبدا، قد قرر – وكيف له ذلك؟ أنه (اطار شعبي جامع) وحدد مقره بيروت! وهو إن لم يكن قد جعل من نفسه أداة ضغط للتغيير في المنظمة، ما هو مطلب محق وان اختلفنا بالرؤى والوسيلة، فإنه قد رسّم تنظيما جديدا في حقيقة الأمر، والى ذلك فلم يضع المؤتمرهيكلية كما لم ينتخب أحدا على الاطلاق بأي من لجانه، بمعنى أنه مارس ذات الفعل غير الديمقراطي في المنظمة، كما عبر بعض حضوره بامتعاض، وكما يقول أحد ناقدي المؤتمر لأنه لم يطلّق المنظمة كليا، نصا: (ثبّت القائمون على المؤتمر أنفسهم في مناصب داخل هذا المؤتمر وفي هيكلياته المقترحة واستثنوا الشباب بشكل كامل حيث أن أصغر القيادات الجديدة لهذه الهيكليات الجديدة يبلغ من العمر 78 سنة مع احترامنا للجميع ولتاريخه ولسنه) مضيفا (وسط اعتراض البعض على تغييب دور الشباب تم اقتراح تعيين نواب للرؤساء الجدد لكن هذا لم يحل الإشكالية حيث تم تعيين اخرين ليسوا بالشباب).

​ويضيف ذات الكاتب الرافض للمنظمة كليا، قائلا ضمن نقد له من 27 نقطة : (ما حدث هو تكرار لإخطاء الماضي من تفرد واجترار وتكرار والحديث عن التاريخ النضالي وتشكيل لجان وهيئات تمارس تماما ما مارسته اللجان المركزية للمنظمة والحركات والفصائل الفلسطينية ويتم التعيين بالتوافق وبـ “شيلني لأشيلك” وبالتالي لم نتجاوز هذه العقليات على الاطلاق في هذا المؤتمر.)
ودون تعليق طويل لننظر لذات الكاتب أيضا إذ يقول في معرض سخطه على نتائج المؤتمر: (شكلت منظمة التحرير الفلسطينية التحدي الأكبر داخل المؤتمر ورغم ان غالبية المشاركين في الاجتماع التأسيسي مساء يوم الجمعة 24/02 ذكروا بأنهم ضد عبارة أن منظمة التحرير الفلسطينية ممثل شرعي ووحيد، وعلى اقل تقدير بشكلها الحالي، وفي ظل قيادتها المتنفذة، لكن إصرار البعض الذي لا يزيد عن أصابع اليد (؟!) بفرض رأيه وتضمين البيان النهائي عبارة الممثل الشرعي والحديث عن المنظمة كان غريبا من نوعه.) أي ان المؤتمر كان يرفض منظمة التحرير الفلسطينية كليا ان صح ما يقوله الكاتب! فهل لذلك علاقة بما يحاك بالباطن املا؟
إن أحسنا الظن ونحن لذلك أهل، فإن الذي يطالب بإعادة “هيكلة” المنظمة (وهو حاليا مطلب “حماس” إضافة لثبات اهدافها بالاحتفاظ بالسلطة وغزة) و(تصفية تركة أوسلو-حسب البيان الختامي) ويعمل (ضد الفساد والتنسيق-حسب البيان) هو ذاته لا يتخذ موقفا بعينين اثنتين مما يحصل في فلسطين أبدا، فيرى في الغرب ما لا يراه في الشرق! وهكذا تصبح الكفة تميل بوضوح باتجاه (التنظيم) الذي يستطيع استغلال وتجيير القرارات لصالحه.

​لقد فشلت جبهة الرفض كما فشلت جبهة الانقاذ، وفشلت الفصائل العشرة لأنها جميعا استندت لحائط غير وطني، ولمحور لم يرد يوما لنا الخير، وستفشل أي قوة أو محاولة جديدة لارتكاب ذات الاثم بالاستعانة بالخارج.

الهدف من المؤتمرات

​لقد هدف مؤتمر دمشق عام 2008 لتكريس الاعتراف بانقلاب “حماس” في غزة عام 2007 وخلق تحالف “حماس– نظام الاسد” الذي تم استبداله بعد العام 2012 يتحالف جديد، وفي مؤتمر طهران ثم الدعم كما قلنا للمحور الايراني برؤوسه الأربعة في البحرين واليمن وسوريا والعراق، وها هي فلسطين تزين عقد مطامع سياسة الدولة الايرانية.

​ في مؤتمر اسطنبول نجح المؤتمر بالصراخ أننا موجودون ولا يجب تجاوزنا وهذا محق، ولكن لن ينجح مثل هذا الاسلوب والمقررات بإسقاط القيادة الحالية (تركة أوسلو)، (فما هكذا تورد الابل).

وفيه وبعد عدم دعوة منظمة التحرير الفلسطينية لتشرف على المؤتمر يغلق المؤتمر باب الحوار ، وهو المؤتمر الذي شكل عملا حمساويا التفافيا ذكيا استفادت فيه حماس من ظهورها الفاقع في دمشق لأن تظهر مقنعة في اسطنبول.

​إن المنظمة كيان تعددي جبهوي جامع لا بديل عنه حتى مع تآكله وشيخوخته، فهو تمثيل فلسطيني موحد نحن في أشد الحاجة له، خاصة في ظل الانقلاب والانقسام الحاصل علينا كشعب فلسطيني وعلى المنظمة التي عُمدت بالدم فحققت الاعتراف العربي والعالمي ما ذهب في سبيله آلاف الشهداء وشكّل الكيانية للفلسطينيين الذين أريد لهم التيه والذوبان ، ومنظمة التحرير الفلسطينية تمثل الحاضنة للمسار التاريخي والقانوني والفكري والتعبوي المتعلق بالقضية وفلسطين في مواجهة العدو الصهيوني الغاصب، الذي يجب أن يستمر فالمشوار طويل والطريق صعب.

​ لا يغيب عن بالنا أبدا بحر الدماء الذي سال دفاعا عن فلسطين، وضد العدو الاوحد أي الكيان الصهيوني، وعن استقلالية القرار في غابة المحاور وتنازع المصالح العربية والاقليمية، حيث استطاع الشقيري (انتزاع) المنظمة، وفرضها أبو عمار واقعا ثوريا نضاليا، وحقق بها اعترافا عربيا ودوليا، وانتزع بها أبو مازن دولة غير عضو عام 2012 ، ومن أمامها سقط عبث الأنظمة وسقط الانشقاق وسيسقط الانقلاب، ولكن أمامنا عمل كثير فلا نقف مكتوفي الأيدي، إذ لابد من العمل والمواجهة في ظل تعدد الرؤى والتشتت والمحاور والتمزيق في أوصال الأمة العليلة والجسد الفلسطيني.

​لابد من اجراء الانتخابات أو المشاورات مع كل الفصائل بما فيها “حماس” و”الجهاد” لتغيير الوجوه في منظمة التحرير الفلسطينية ، ولا بد أن تترك “حماس” تعنتها وإمساكها برقبة غزة في مواجهة حركة فتح، بان ترتدع عن انقلابها، وتتوب توبة نصوحا عن استخدام السلاح أو الاستقواء على الوطن، ولا بد لحركة فتح التخلي عن أحلام البعض فيها بالهيمنة والسطوة والاستبداد.

بدون المشاركة وللجميع لن نكون مناضلين وديمقراطيين، وسنفقد قيمة شعارات حركة فتح وأبوعمار الأثيرة (ديمقراطية غابة البنادق) (وكل البنادق نحو العدو) و(اللقاء فوق أرض المعركة).

ولاستعادة الدور للمنظمة وكل مكوناتها لا نرى بديلا عن البدء بالانتخابات في فلسطين كي لا تخلد نتائج انتخابات 2006 التي انتهت منذ امد طويل، فهي ليست قاعدة وحيدة للقياس وما يستتبع ذلك من تغيير جذري بهيكلية المنظمة.

​إن احترام المبادرات سواء مما طرح في مؤتمر طهران ويمكن البناء عليه، أو في مؤتمر اسطنبول، يجب أن تكون بابا للحوار وللاستيعاب وليس التوقف عند حد الاتهام اللفظي للقطيعة أوالاحتراب الداخلي.

​إن المفاتيح الثلاثة للحل هي بالاعتراف بالآخر وبالحوار معه، ومجاورته جنبا الى جنب وكتفا الى كتف لا نفيه أو اقصائه او تكفيره أو تخوينه او تعهيره، وأيضا بالاحترام المتبادل في اطار واحد وهدف واحد وبرنامج وطني واحد يجعل من مفتاح “حماس” ومفتاح حركة “فتح” ومفتاح الفصائل يجب أن يكون في حضن الجماهير.

1

View on Path

بكر أبوبكر

كاتب وباحث عربي فلسطيني ورئيس أكاديمية فتح الفكرية، وعضو المجلس الاستشاري للحركة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى