غير مصنف

من لطيف ما يحكى هُنا، عن (الأمير) الصاحب بن عباد، (في الأندلس) أنه كان يعجبه الخز (الحرير)، ويأمر بالاستكثار منه في داره، فنظر (الأديب) أبو القاسم الزعفراني يوماً إلى جميع ما فيها من الخدم والحاشية، وعليهم الخُزور (الحرائر)الفاخرة الملونة، فاعتزل ناحية وأخذ يكتب شيئاً، فنظر إليه الصاحب، وقال: علي به. فاستمهل ريثما يتم مكتوبه، فأمر الصاحب بأخذ الرقعة (الورقة) من يده. فقام، وقال: أيد الله مولانا:
اسْمعه مِمن قاله تزْدَدْ به

عَجَباً/ فحسنُ الوردِ في أغصانِهِ

فقال: هات يا أبا القاسم. فأنشده أبياتاً، منها:
سِوَاك يَعُدُّ الغِنَى مَا اقْتنى

وَيأمُرُهُ الحِرْصُ أن يَخْزُنا

وأنتَ ابنُ عَبِّاد المُرْتَجى

تَعُدُّ نَوالَك نَيْلَ المُنى

وخَيْرُك مِن بَاسِطٍ كَفَّهُ

وَمِمَّنْ تَناءىَ قريبُ الجَنى

غَمَرْتَ الوَرى بصُنوفِ النَّدَى

فأصْغَرُ مَا مَلَكوهُ الْغِنى

وغادَرْتَ أشْعرَهُمْ مُفْحَماً

وأشْكَرَهُمْ عَاجِزاً ألْكَنا

أيَا مَن عَطَايَاهُ تُهْدى الغنى

إلى راحتَيْ مَن نأى أو دنَا

كَسَوْتَ المُقِيمين والزَّائِرينَ

كُسى لم يُخَلْ مثلُها مُمْكِنَا

وحَاشِيَةُ الدَّارِ يَمْشُونَ في

ضُرُوب من الخَزِّ إلا أنَا

ولَسْتُ أذكِّرُ بِي جَارياً

عَلى العَهْدِ يُحْسِنُ أن يُحْسِنَا

فقال له الصاحب: قرأت في أخبار معن بن زائدة (من حكماء العرب) ، أن رجلاً قال له: احملني أيها الأمير. فأمر له بناقة، وفرس، وبغل، وحمار، وجارية، ثم قال له: لو علمت مركوباً غيرها لحملتك عليه. وقد أمرنا لك من الخزبجية ، ودراعة، وقميص، وسراويل، وعمامة، ومنديل ومطرف، ورداء، وجورب، ولو علمنا لباساً آخر يتخذ من الخز أعطيناكه.

#أحب_لغتي_العربية
#مأثورات _عربية
#بكر_أبوبكر

View on Path

بكر أبوبكر

كاتب وباحث عربي فلسطيني ورئيس أكاديمية فتح الفكرية، وعضو المجلس الاستشاري للحركة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى